تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{ٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡاْ أَجۡرٌ عَظِيمٌ} (172)

{ الذين استجابوا لله والرسول } ، وذلك أن المشركين انصرفوا يوم أحد ولهم الظفر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إني سائر في أثر القوم" ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد على بغلة شهباء ، فدب المنافقون إلى المؤمنين ، فقالوا : أتوكم في دياركم فوطئوكم قتلا ، وكان لكم النصر يوم بدر ، فكيف تطلبونهم وهم اليوم عليكم أجرأ وأنت اليوم أرعب ؟ فوقع في أنفس المؤمنين قول المنافقين ، فاشتكوا ما بهم من الجراحات ، فأنزل الله عز وجل : { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله . . . } ( آل عمران : 140 ) إلى آخر الآية .

وأنزل الله تعالى : { إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون . . . } ( النساء : 104 ) ، يعني تتوجعون من الجراحات ، إلى آخر الآية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لأطلبنهم ولو بنفسي" ، فانتدب مع النبي صلى الله عليه وسلم سبعون رجلا من المهاجرين والأنصار ، حتى بلغوا سفراء بدر الصغرى ، فبلغ أبا سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم يطلبه ، فأمعن عائدا إلى مكة مرعوبا ، ولقى أبو سفيان نعيم بن مسعود الأشجعي وهو يريد المدينة ، فقال : يا نعيم ، بلغنا أن محمدا في الأثر ، فأخبره أن أهل مكة قد جمعوا جمعا كثيرا من قبائل العرب لقتالكم ، وأنهم لقوا أبا سفيان ، فلاموه بكفه عنكم بعد الهزيمة حتى هموا به فردوه ، فإن رددت عنا محمدا فلك عشر ذود من الإبل إذا رجعت إلى مكة ، فسار نعيم فلقى النبي صلى الله عليه وسلم في الصفراء ، فقال : "ما وراءك يا نعيم ؟" ، فأخبره بقول أبي سفيان ، ثم قال : أتاكم الناس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "{ حسبنا الله ونعم الوكيل }" ، نعم الملتجأ ونعم الحرز" ، ( آل عمران : 173 ) .

فأنزل الله سبحانه : { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح } ، يعني الجراحات ، { للذين أحسنوا منهم } الفعل { واتقوا } معاصيه { أجر عظيم } وهو الجنة .