الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡاْ أَجۡرٌ عَظِيمٌ} (172)

قوله : ( الذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ) الآية [ 172 ] .

المعنى : وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله من بعد ما أصابه الجرح والألم ، وعنى بهذا من خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب أبي سفيان ، وأصحابه بعد انصرافه من أحد وبعدما نال من المسلمين من القتل والجرح . وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من أحد ، وقد قتل من أصحابه سبعون ، وجرح خلق كثير ، أمر بلالاً أن( {[11223]} ) ينادي في الناس لينفروا في طلب عدوهم ، فنفروا معه على ما بهم من ألم( {[11224]} ) الجراح ، والحزن على من قتل منهم ، وكان أخوان من بني عبد الأشهل مثخنين بالجراح ، فقال أحدهما للآخر : تفوتنا غزاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الأخر : والله ما بي حراك ! فقال له أخوه : غفر الله لك ، توكأ علي ، وأتوكأ عليك حتى نبلغ ، فخرجا مجروحين .

فأنزل الله عز وجل ( الذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ) الآية إذ خرج النبي صلى الله عليه وسلم في طلب أبي سفيان وأصحابه حتى بلغ إلى حمراء الأسد( {[11225]} ) ، وهي على ثمانية أميال من المدينة ، وأقام بها [ ثلاثاً ] ، ثم( {[11226]} ) رجع إلى المدينة ، وفعل ذلك عليه السلام ليرى الناس أن به وبأصحابه قوة على عدوهم( {[11227]} ) . وكان يوم أحد في قول عكرمة يوم السبت للنصف من شوال( {[11228]} ) .

وروى ابن وهب عن مالك أنه قال : كانت أحد في شوال لإحدى( {[11229]} ) وثلاثين شهراً من الهجرة .

فلما( {[11230]} ) كان يوم الأحد أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب( {[11231]} ) العدو فقال : لا يخرجن معنا إلا من حضر بالأمس فكلمه جابر بن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال يا رسول الله( {[11232]} ) : إن أبي كان خلفني على أخواتي لي تسع وقال لي : يا بني لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن ، ولست بالذي أترك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخلف على أخواتك ، فتخلفت [ معهن ]( {[11233]} ) فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج في طلب المشركين ، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ليرهب المشركين ، ويبلغهم أنه لم يضعف وأنه خرج في طلبهم ، وأن الذي أصاب أصحابه لم يُوهِنُهُم( {[11234]} ) فالذين خرجوا هم الذين عُنوا في هذه الآية( {[11235]} ) .

قال السدي : قال أبو سفيان لأصحابه حين انصرفوا [ من أحد ]( {[11236]} ) : بئس ما صنعتم قتلتموهم حتى إذا لم يبق إلا الشديد تركتموهم ، ارجعوا فاستأصلوهم ، فقذف الله عز وجل في قلوبهم الرعب ، فهزموا ، فأخبر الله عز ذكره رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد رأس ثمانية أميال عن المدينة ، فالذين خرجوا( {[11237]} ) معه هم الذين استجابوا لله والرسول من بعدما أصابهم الجراح بأحد( {[11238]} ) .

ثم قال : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقُوا أَجْرٌ عَظِيمٌ ) معناه : للذين أحسنوا ، فداموا على الطاعة ، وأداء الفرائض ، واتقوا المحارم حتى لحقوا بالله عز وجل ( أَجْرٌ عَظِيمٌ ) .


[11223]:- هو أبو عبد الله بلال بن رباح توفي عشرين هجرية مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم وخازنه على بيت مال المسلمين. انظر: أسد الغابة 1/243 والحلية 1/147، والإصابة 1/147.
[11224]:- (ج): آلام.
[11225]:- حمراء الأسد أو الأسد بالإفراد أو الجمع: موضع على بعد ثمانية أميال من المدينة وإليها انتهى الرسول في طلب المشركين يوم أُحد. انظر: معجم البلدان 2/301 والروض المعطار 200.
[11226]:- ساقط من (أ) (ج).
[11227]:- انظر: سيرة ابن هشام 2/101 وجامع البيان 4/176.
[11228]:- انظر: المصدر السابق.
[11229]:- (أ) (ج) (د): لا حد.
[11230]:- هذا بقية قول عكرمة كما في جامع البيان 4/176.
[11231]:- (د): يطلب، (ج): في طلب.
[11232]:- (أ) (ج): يا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[11233]:- ساقط من (أ) (ج).
[11234]:- (ج): لم يهنهم.
[11235]:- من كتاب المغازي 1/326.
[11236]:- ساقط من (أ).
[11237]:- (د): أخرجوا وهو خطأ.
[11238]:- انظر: جامع البيان 4/177.