تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَابٗا يَبۡحَثُ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُرِيَهُۥ كَيۡفَ يُوَٰرِي سَوۡءَةَ أَخِيهِۚ قَالَ يَٰوَيۡلَتَىٰٓ أَعَجَزۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِثۡلَ هَٰذَا ٱلۡغُرَابِ فَأُوَٰرِيَ سَوۡءَةَ أَخِيۖ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ} (31)

فلما كان في الليلة الثالثة ، بعث الله غرابين يقتتلان ، فقتل أحدهما صاحبه وهو ينظر ، ثم حفر بمنقاره في الأرض ، فلما فرغ منه ، أخذ بمنقاره رجل الغراب الميت ، حتى قذفه في الحفيرة ، ثم سوى الحفيرة بالأرض ، وقابيل ينظر ، فذلك قوله تعالى : { فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال } قابيل : { يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب } ، يقول : أعجزت أن أعلم من العلم مثل ما علم هذا الغراب ، { فأواري سوءة أخي } ، يقول : فأغطى عورة أخي كما وارى الغراب صاحبه ، { فأصبح من النادمين } بقتله أخاه .

فعمد عند ذلك قابيل ، فحفر في الأرض بيده ، ثم قذف أخاه في الحفيرة ، فسوى عليه تراب الحفيرة كما فعل الغراب بصاحبه ، فلما دفنه ألقى الله عز وجل عليه الخوف ، يعني على قابيل ، لأنه أول من أخاف ، فانطلق هاربا ، فنودي من السماء : يا قابيل ، أين أخوك هابيل ؟ قال : أو رقيبا كنت عليه ؟ ليذهب حيث شاء ، قال المنادي : أما تدري أين هو ؟ قال : لا ، قال المنادي : إن لسانك وقلبك ويديك ورجليك وجميع جسدك يشهدون عليك أنك قتلته ظلما ، فلما أنكر شهدت عليه جوارحه ، فقال المنادي : أين تنجو من ربك ؟ إن إلهي يقول : إنك ملعون بكل أرض ، وخائف ممن يستقبلك ، ولا خير فيك ، ولا في ذريتك .

فانطلق جائعا ، حتى أتى ساحل البحر ، فجعل يأخذ الطير ، فيضرب بها الجبل ، فيقتلها ويأكلها ، فمن أجل ذلك حرم الله الموقوذة ، وكانت الدواب ، والطير ، والسباع ، لا يخاف بعضها من بعض ، حتى قتل قابيل هابيل ، فلحقت الطير بالسماء ، والوحش بالبرية والجبال ، ولحقت السباع بالغياض ، وكانت قبل ذلك تستأنس إلى آدم ، عليه السلام ، وتأتيه ، وغضبت الأرض على الكفار من يومئذ ، فمن ثم يضغط الكافر في الأرض حتى تختلف أضلاعه ، ويتسع على المؤمن قبره حتى ما يرى طرفاه ، وتزوج شيت بن آدم ليوذا التي ولدت مع هابيل ، وبعث الله عز وجل ملكا إلى قابيل فعلق رجله ، وجعل عليه ثلاث سرادقات من نار ، كلما دار دارت السرادقات معه ، فمكث بذلك حينا ، ثم حل عنه .