غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِبٖۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (18)

1

{ وجاؤوا على قميصه } نصب على الظرف أي فوق قميصه لا على الحال المتقدمة لأن حال المجرور لا تتقدم عليه { بدم كذب } ذي كذب أو دم هو الكذب بعينة مبالغة . يروى أنهم ذبحوا سخلة ولطخوه بدمها ، ويروى أن يعقوب لما سمع بخير يوسف صاح بأعلى صوته وقال : أين القميص ؟ فأخذه وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص . وقال : تالله ما رأيت كاليوم ذئباً أحلم من هذا أكل ابني ولم يمزق عليه قميصه . وقيل : كان في قميص يوسف ثلاث آيات آية ليعقوب على كذبهم ، وآية حين ألقاه البشير على وجهه فارتد بصيراً ، وآية على براءة يوسف حين قدّ من دبر . ولما تبين يعقوب بالآيات المذكورة أو بالوحي أنهم كاذبون قال على سبيل الإضراب . { بل سوّلت } قال ابن عباس بل زينت { لكم أنفسهم أمراً } في شأنه وهو تفعيل من السول الأمنية . قال الأزهري : وأصله مهموز غير أن العرب استثقلوا فيه الهمزة . وقال في الكشاف : سوّلت سهلت من السول بفتحتين وهو الاسترخاء والتنكير دليل التعظيم { فصبر جميل } لا بد من تقدير مبتدأ أو خبر أي فأمري صبر جميل أو فصبر جميل أمثل . وفي الحديث أنه الذي لا شكوى فيه أي إلى الخلق لقوله : { إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله } [ يوسف : 86 ] وقيل : أي لا أعايشكم على كآبة الوجه بل أكون لكم كما كنت . يحكى أنه سقط حاجبا يعقوب على عينيه فكان يرفعهما بعصابة فقيل له : ما هذا ؟ فقال : طول الزمان وكثرة الأحزان . فأوحى الله تعالى إليه يا يعقوب أتشكوني ؟ قال : يا رب خطيئة فاغفرها لي . ثم بين أن الصبر على ما وصفوه من هلاك يوسف لا يمكن إلا بمعونة الله تعالى فقال : { والله المستعان على ما تصفون } فالقرينتان كقوله : { إياك نعبد وإياك نستعين } الفاتحة : 5 ] ويعلم من الآية أن الصبر إن كان لأجل الرضا بقضاء الله تعالى أو لاستغراقه في شهود نور الحق بحيث يمنعه من الاشتغال بالشكاية عن البلاء فذلك صبر جميل وإلا فلا . واعترض بأن هذا الصبر كان فيه إعانة الظالمين وإهمال لتخليص المظلوم من المحن والشدائد والترقية فكيف جاز صبر يعقوب حتى لم يبالغ في التفتيش والتنقير ، ولو بالغ لظهر عليه الأمر لشهرته وعظم قدره ؟ وأجيب بأن الله سبحانه لعله منعه عن الطلب تشديداً للمحنة عليه ، أو لعله إن بالغ في البحث أقدموا على قتله ، أو علم أن الله تعالى يصون يوسف وسيعظم أمره بالآخرة فلم يرد هتك ستر أولاده وإلقاءهم في ألسنة الناس كقول القائل :

*** فإذا رميت يصيبني سهمي ***

فكان الأصوب الصبر والسكوت وتفويض الأمر بالكلية إلى الله تعالى .

/خ20