الحكم الخامس ، غض البصر وحفظ الفرج عما لا يحل . وتخصيص المؤمنين بهذا التكليف عند من لا يجعل الكفار مكلفين بفروع الإسلام ظاهر ، وأما عند من يجعلهم مكلفين بالفروع أيضاً فالتخصيص للتشريف ، أو نزل فقدان مقدمة التكليف منزلة فقدان التكليف وإن كان حالهم في الحقيقة كحال المؤمنين في استحقاق العقاب على تركها . قال أكثر النحويين : " من " للتبعيض والمراد غض شيء من البصر لأن غض كله كالمعتذر بخلاف حفظ الفرج فإنه ممكن على الإطلاق . وجوز الأخفش أن تكون " من " مزيدة . وقيل : صلة للغض أي ينقصوا من نظرهم . يقال : غضضت من فلان إذا انقضت من قدره . فالنظر إذا لم يكن من عمله فهو معفو موضوع عنه . وإعراب قوله { يغضوا } كما مر في سورة إبراهيم في قوله
{ قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا } [ الآية : 31 ] قال الفقهاء : العورات على أربعة أقسام : عورة الرجل مع الرجل ، وعورة المرأة مع المرأة ، وعورة المرأة مع الرجل ، وبالعكس . أما الرجل مع الرجل فيجوز أن ينظر إلى جميع بدنه إلا إلى عورته ، وعورته ما بين السرة والركبة ، والسرة والركبة ليستا بعورة . وعند أبي حنيفة : الركبة عورة . قال مالك : الفخذ ليست بعورة وهو خلاف ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي : " لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي وميت . " فإن كان في نظره إلى وجه الرجل أو سائر بدنه شهوة أو خوف فتنة بأن كان أمرد لا يحل النظر إليه . ولا يجوز للرجل مضاجعة الرجل وإن كان واحد منهما في جانب الفراش لرواية أبي سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وسلم قال : " لا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد " ويكره المعانقة وتقبيل الوجه . إلا لولده شفقة . وتستحب المصافحة والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل فلها النظر إلى جميع بدنها إلا ما بين السرة والركبة ، ولا يجوز عند خوف الفتنة ، ولا تجوز المضاجعة أيضاً لما مر في الحديث . والصح أن الذمية لا يجوز لها النظر إلى بدن المسلمة لأنها أجنبية في الدين والله تعالى يقول { أو نسائهن } أما عورة المرأة مع الرجل فإن كانت أجنبية حرة فجميع بدنها عورة لا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها إلا الوجه والكفين لأنها تحتاج إلى إبراز الوجه للبيع والشراء وإلى إخراج الكف للأخذ والإعطاء . ويعني بالكف ظهرها وبطنها إلى الكوعين . وقيل : ظهر الكف عورة . وفي هذا المقام تفصيل : قال العلماء : لا يجوز أن يعمد النظر إلى وجه الأجنبية بغير غرض فإن وقع بصره عليها بغتة غض بصره لقوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } ولقوله صلى الله عليه وسلم " يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة " فإن كان هناك غرض ولا شهوة ولا فتنة فذاك والغرض أمور منها : أن يريد نكاح امرأة فينظر إلى وجهها وكفها . روى أبو هريرة أن رجلاً أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً . " ومنها إذا أراد شراء جارية فله أن ينظر إلى ما ليس بعورة منها . ومنها أنه عند المبايعة ينظر إلى وجهها متأملاً حتى يعرفها عند الحاجة . ومنها أنه ينظر إليها عند تحمل الشهادة ولا ينظر إلى الوجه لأن المعرفة تحصل به . ومنها يجوز للطبيب الأمين أن ينظر إلى بدن الأجنبية للمعالجة كما يجوز للخاتن أن ينظر إلى فرج المختون لأنه محل ضرورة . وكما يجوز أن ينظر إلى فرج الزانيين لتحمل الشهادة ، وإلى فرجها لتحمل شهادة الولادة إذا لم تكن نسوة ، وإلى ثدي المرضعة لتحمل الشهادة على الرضاع . فإن كان هناك شهوة وفتنة فالنظر محظور قال صلى الله عليه وسلم " العينان تزنيان " وقيل : مكتوب في التوراة : النظر يزرع الشهوة في القلب ورب شهوة أورثت حزناً طويلاً . ويستثنى منه ما لو وقعت في حرق أو غرق فله أن ينظر إلى بدنها ليخلصها . وإن كانت الأجنبية أمة فالأصح أن عورتها ما بين السرة والركبة لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يشتري الأمة " لا بأس أن ينظر إليها إلا إلى العورة وعورتها ما بين معقد إزارها إلى ركبتها " وقيل : إلا ما تبدي المهنة فيخرج منه أن رأسها وعنقها وساعديها وساقيها ونحرها وصدرها ليس بعورة ، وفي ظهرها وبطنها وما فوق ساعديها الخلاف . وحكم المكاتبة والمدبرة والمستولدة ومن بعضها رقيق حكم الأمة ولا يجوز لمسها ولا لها مسه لأن اللمس أقوى من النظر بدليل أن الإنزال باللمس يفطر الصائم وبالنظر لا يفطر .
وقال أبو حنيفة : يجوز أن يمس من الأمة ما يحل النظر إليه ، وأما إن كانت المرأة ذات محرم بنسب أو رضاع أو صهرية فعورتها ما بين السرة والركبة كعورة الرجل . وعند أبي حنيفة : عورتها ما لا يبدو عند المهنة ، فإن كانت مستمتعاً له كالزوجة والأمة التي يحل له الاستمتاع بها جاوز له أن ينظر إلى جميع بدنها غير أنه يكره أن ينظر إلى الفرج ، وكذا إلى فرج نفسه لما روي أن يورث الطمس . وقيل : لا يجوز النظر إلى فرجها ، فإن كانت الأمة مجوسية أو مرتدة أو وثنية أو مشتركة بينه وبين غيره أو مزوجة أو مكاتبة فهي كالأجنبية . روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا زوج أحدكم جاريته عبده أو أجبره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة " وأما عورة الرجل مع المرأة فإن كان أجنبياً منها فعورته معها ما بين السرة والركبة . وقيل : جميع بدنه إلا الوجه والكفين كهي معه . والأصح هو الأول لأن بدن المرأة في نفسه عورة بدليل أنه لا يصح صلاتها مكشوفة البدن ، وبدن الرجل بخلافه . ولا يجوز لها قصد النظر عند خوف الفتنة ولا تكرير النظر إلى وجهه لما روي عن أم سلمة " أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة إذ أقبل ابن أم مكتوم فدخل فقال صلى الله عليه وسلم :احتجبا منه . فقالت : يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ؟ فقال : أعمياوان أنتما ألستما تبصرانه ؟ " وإن كان محرماً لها فعورته معها ما بين السرة والركبة ، وإن كان زوجها أو سيدها الذي يحل له وطؤها فلها أن تنظر إلى جميع بدنه غير أنه يكره النظر إلى الفرج كهو معها . ولا يجوز للرجل أن يجلس عارياً في بيت خال وله ما يستر عورته لأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال : " الله أحق أن يستحي منه . " وعنه " إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله " ولما كان النظر بريد الزنا ورائد الفجور أمر بغض الأبصار أولاً ثم بحفظ الفروج عن الزنا والفجور ثانياً . وعن أبي العالية أن كل ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنا إلاّ هذا فإنه أراد الاستثناء وأن لا ينظر إلى الفروج أحد ، وعلى هذا ففائدة التخصيص بعد التعميم أن يعلم أن أمر الفرج أضيق . وحين خص الخطاب في أول الآية بالمؤمنين ذكر أن ذلك الذي أمر به من غض البصر وحفظ الفرج أزكى لهم لأنهم يتطهرون بذلك من دنس الآثام ، ويستحقون الثناء والمدح ، وهذا لا يليق بالكافر . وفي قوله { إن الله خبير بما يصنعون } ولا ثاني له في القرآن إشارة إلى وجوب الحذر في كل حركة وسكون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.