غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُۥ عِلۡمٞ مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن يَرۡتَدَّ إِلَيۡكَ طَرۡفُكَۚ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسۡتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَٰذَا مِن فَضۡلِ رَبِّي لِيَبۡلُوَنِيٓ ءَأَشۡكُرُ أَمۡ أَكۡفُرُۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيّٞ كَرِيمٞ} (40)

15

واختلفوا في الذي عنده علم من الكتاب فقيل : هو الخضر عليه السلام . وقيل : جبرائيل . وقيل : ملك أيد الله به سليمان . وقيل : آصف بن برخيا وزيره أو كاتبه . وقيل : هو سليمان نفسه استبطأ العفريت فقال له : أنا أريك ما هو أسرع مما تقول . وقد يرجح هذا القول بوجوه منها : أن الشخص المشار إليه بالذي يجب أن يكون معلوماً للمخاطب وليس سوى سليمان ، ولو سلم أن آصف أيضاً كان كذلك فسليمان أولى بإحضار العرش في تلك اللمحة والإلزام تفضيل آصف عليه من هذا الوجه .

ومنها قول سليمان . { هذا من فضل ربي } ويمكن أن يقال : الضمير راجع إلى استقرار العرش عنده ، ولو سلم رجوعه إلى الإتيان بالعرش فلا يخفى أن كمال حال التابع والخادم من جملة كمالات المتبوع والمخدوم ، ولا يلزم من أن يأمر الإنسان غيره بشيء أن يكون الآمر عاجزاً عن الإتيان بذلك الشيء . واختلفوا أيضا في الكتاب فقيل : هو اللوح . وقيل : الكتاب المنزل الذي فيه الوحي والشرائع . وقيل : كتاب سليمان أو كتاب بعض الأنبياء . وما ذلك العلم ؟ قيل : نوع من العلم لا يعرف الآن . والأكثرون على أنه العلم باسم الله الأعظم وقد مر في تفسير البسملة كثير مما قيل فيه . ومما وقفت عليه بعد ذلك أن غالب بن قطان مكث عشرين سنة يسأل الله الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى فأري في منامه ثلاث ليال متواليات : قل يا غالب يا فارج الهم يا كاشف الغم يا صادق الوعد يا موفياً بالعهد يا منجز الوعد يا حي يا لا إله إلا أنت صل اللهم على محمد وآل محمد وسلم . والطرف تحريك الأجفان عند النظر فوضع موضع النظر فإِذا فتحت العين توهمت أن نور العين يمتد إلى المرئي وإذا غمضت توهمت أن ذلك النور قد ارتدّ ، فمعنى الآية أنك ترسل طرفك إلى شيء فقبل أن ترده أبصرت العرش بين يديك . يروى أن آصف قال له : مدّ عينك حتى ينتهي طرفك فمدّ عينه فنظر نحو اليمن ودعا آصف فغاص العرش في مكانه ثم ظهر عند مجلس سليمان بالشام بقدرة الله قبل أن يرتدّ طرفه . ومن استبعد هذا في قدرة الله فليتأمل في الحركات السماوية على ما يشهد به علم الهيئة حتى يزول استبعاده . وقال مجاهد : هو تمثيل لاستقصار مدة الإتيان به كما تقول لصاحبك : افعل هذا في لحظة أو لمحة . وحين عرف سليمان نعمة الله في شأنه وأن ذلك صورة الابتلاء بين أن شكر الشاكر إنما يعود إلى نفس الشاكر لأنه يرتبط به العتيد ويطلب المزيد كما قيل : الشكر قيد للنعمة الموجودة وصيد للنعمة المفقودة . وروي في الكشاف عن بعضهم أن كفران النعمة بوار وقلما أقشعت نافرة فرجعت في نصابها ، فاستدع شاردها بالشكر واستدم راهنها بكرم الجوار . قوله " أقشعت نافرة " أي ذهبت في حال نفارها وراهنها أي ثابتها . { ومن كفر فان ربي غني } عن عبادة كل عابد فضلاً عن شكر شاكر { كريم } لا يقطع إمداد نعمه عنه لعله يتوب ويصلح حاله . زعم المفسرون أن الجن كرهوا أن يتزوّجها سليمان فتفضي إليه بإسرارهم لأنها كانت بنت جنية ، أو خافوا أن يولد له منها ولد تجمع له فطنة الجن والإنس فيخرجون من ملك سليمان إلى ملك هو أشد فقالوا له : إن في عقلها شيئاً وهي شعراء الساقين ورجلها كحافر الحمار فاختبر عقلها بتنكير العرش وذلك قوله : { نكروا لها عرشها } .

/خ44