فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُۥ عِلۡمٞ مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن يَرۡتَدَّ إِلَيۡكَ طَرۡفُكَۚ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسۡتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَٰذَا مِن فَضۡلِ رَبِّي لِيَبۡلُوَنِيٓ ءَأَشۡكُرُ أَمۡ أَكۡفُرُۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيّٞ كَرِيمٞ} (40)

{ قال الذي عنده علم من الكتاب } المنزل على الأنبياء قبل سليمان كالتوراة التي أنزلت على موسى ، قال أكثر المفسرين : اسمه آصف بن برخيا بالمد وبالقصر ، وهو من بني إسرائيل ، وكان وزيرا لسليمان وصديقا له ، وقيل : كاتبه ، وكان من أولياء الله تظهر الخوارق على يديه كثيرا ، وقيل كان يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب ، قاله ابن عطية .

وقالت فرقة : هو سليمان نفسه ، ويكون الخطاب على هذا للعفريت كأن سليمان استبطأ ما قاله العفريت ، فقال له هذه المقالة تحقيرا له ، وقيل : هو جبريل ، وقيل : ملك آخر . وقيل : الخضر ، وقد قيل غير ذلك مما لا أصل له والأول أولى .

{ أنا آتيك به } أي العرش ، وقال مجاهد في قراءة ابن مسعود : أنا انظر في كتاب ربي الخ ثم آتيك به { قبل أن يرتد إليك طرفك } إذا نظرت به إلى شيء ما ، والمراد بالطرف تحريك الأجفان وفتحها للنظر ، وارتداده انضمامه ، ولكونه أمرا طبيعيا غير منوط بالقصد آثر الارتداد على الرد ، وفي القاموس إن الطرف كما يطلق على نظر العين يطلق على العين نفسها وقيل : هو بمعنى المطروف أي الشيء الذي ينظره ، وقيل : هو نفس الجفن عبر به عن سرعة الأمر كما تقول لصاحبك افعل ذلك في لحظة ، قاله مجاهد .

وقال سعيد بن جبير : إنه قال سليمان : أنظر إلى السماء فما طرف حتى جاء به فوضعه بين يديه ، والمعنى حتى يعود إليك طرفك بعد مده إلى السماء ، والأول أولى هذه الأقوال ، ثم الثالث .

قال ابن عباس : لم يجر عرش صاحبة سبأ بين الأرض والسماء ، لكن انشقت به الأرض فجرى تحت الأرض حتى ظهر بين يدي سليمان ، وقال مجاهد : لما تكلم العالم بكلام دخل العرش في نفق تحت الأرض حتى خرج إليهم .

{ فلما رآه مستقرا عنده } قيل : في الآية حذف ، والتقدير فأذن له سليمان فدعا الله فأتى به ، فلما رأى سليمان العرش حاضرا لديه { قال هذا } أي حضور العرش وثبوته من غير تحرك وتقلقل { من فضل ربي } وإحسانه . { ليبلوني } أي : ليختبرني ، وقيل : ليتعبدني وهو مجاز ، والأصل في الابتلاء : الاختبار { أأشكر ؟ } الله بذلك واعترف بأنه من فضله من غير حول مني ولا قوة ، وأقوم بحقه { أم أكفر ؟ } بترك الشكر وعدم القيام به ، أو بأن أثبت لنفسي فعلا وتصرفا في ذلك ، وقال الأخفش : المعنى لينظر أشكر أم أكفر .

{ من شكر فإنما يشكر لنفسه } لأنه استحق بالشكر تمام النعمة ودوامها ، فإن الشكر قيد النعمة الموجودة وصيد النعمة المفقودة ، والمعنى أنه لا يرجع نفع ذلك وثوابه إلا الشاكر .

{ ومن كفر } النعمة بترك الشكر { فإن ربي غني } عن شكره { كريم } في ترك المعالجة بالعقوبة بنزع نعمه عنه وسلبه ما أعطاه منها .