مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُۥ عِلۡمٞ مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن يَرۡتَدَّ إِلَيۡكَ طَرۡفُكَۚ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسۡتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَٰذَا مِن فَضۡلِ رَبِّي لِيَبۡلُوَنِيٓ ءَأَشۡكُرُ أَمۡ أَكۡفُرُۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيّٞ كَرِيمٞ} (40)

{ قَالَ الذى عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الكتاب } أي ملك بيده كتاب المقادير أرسله الله تعالى عند قول العفريت ، أو جبريل عليه السلام ، والكتاب على هذا اللوح المحفوظ ، أو الخضر أو آصف بن برخيا كاتب سليمان وهو الأصح وعليه الجمهور ، وكان عنده اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب وهو : يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أو يا إلهنا وإله كل شيء إلهاً «واحداً » لا إله إلا أنت . وقيل : كان له علم بمجاري الغيوب إلهاماً { أنا ءَاتيك به } بالعرش و { آتيك } في الموضعين يجوز أن يكون فعلاً أو اسم فاعل . ومعنى قوله { قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } أنك ترسل طرفك إلى شيء فقبل أن ترده أبصرت العرش بين يديك . ويروى أن آصف قال لسليمان عليه السلام : مد عينيك حتى ينتهي طرفك فمد عينيه فنظر نحو اليمن فدعا آصف فغار العرش في مكانه ثم نبع عند مجلس سليمان بقدرة الله تعالى قبل أن يرتد طرفه { فَلَمَّا رَءاهُ } أي العرش { مُسْتَقِرّاً عِندَهُ } ثابتاً لديه غير مضطرب { قَالَ هذا } أي حصول مرادي وهو حضور العرش في مدة ارتداد الطرف { مِن فَضْلِ رَبّى } عليّ وإحسانه إلي بلا استحقاق مني بل هو فضل خال من العوض صافٍ عن الغرض { ليبلونىِ ءَأشكر } ليمتحنني أأشكر إنعامه { أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } لأنه يحط به عنها عبء الواجب ويصونها عن سمة الكفران ويستجلب به المزيد وترتبط به النعمة ، فالشكر قيد للنعمة الموجودة وصيد للنعمة المفقودة . وفي كلام بعضهم : إن كفران النعمة بوار وقلما أقشعت نافرة فرجعت في نصابها ، فاستدع شاردها بالشكر ، واستدم راهنها بكرم الجوار . واعلم أن سبوغ ستر الله تعالى متقلص عما قريب إذا أنت لم ترج لله وقاراً أي لم تشكر لله نعمة { وَمَن كَفَرَ } بترك الشكر على النعمة { فَإِنَّ رَبّى غَنِىٌّ } عن الشكر { كَرِيمٌ } بالإنعام على من يكفر نعمته ، قال الواسطي : ما كان منا من الشكر فهو لنا ، وما كان منه من النعمة فهو إلينا وله المنة والفضل علينا .