الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُۥ عِلۡمٞ مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن يَرۡتَدَّ إِلَيۡكَ طَرۡفُكَۚ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسۡتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَٰذَا مِن فَضۡلِ رَبِّي لِيَبۡلُوَنِيٓ ءَأَشۡكُرُ أَمۡ أَكۡفُرُۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيّٞ كَرِيمٞ} (40)

{ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ } واختلفوا فيه ، فقال بعضهم هو جبرئيل ( عليه السلام ) ملك من الملائكة أيّد الله عزّ وجلّ به نبيه سليمان عليه السلام .

وقال الآخرون : بل كان رجلاً من بني آدم .

ثمَّ اختلفوا فيه فقال أكثر المفسرين : هو آصف بن برخيا بن شمعيا بن ميكيا وكان صدّيقاً يعلم الاسم الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أُعطي .

أخبرني ابن فنجويه قال : أخبرنا مخلد بن جعفر الباقرحي قال : حدّثنا الحسن بن علوية قال : حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال : حدّثنا إسحاق بن بشر قال : حدّثنا جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال : إنّ آصف قال لسليمان ( عليه السلام ) حين صلّى ودعا الله سبحانه : مُدّ عينيك حتى ينتهي طرفك قال : فمدّ سليمان ( عليه السلام ) عينه فنظر نحو اليمن ودعا آصف ، فبعث الله الملائكة فحملوا السرير من تحت الأرض يخدّون الأرض خدّاً حتى انخرقت الأرض بالسرير بين يدي سليمان ( عليه السلام ) .

واختلف العلماء في الدعاء الذي دعا به آصف عند الإتيان بالعرش ، فروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن اسم الله الأعظم الذي دعا به آصف " يا حيّ يا قيّوم " " .

وروى عثمان بن مطر عن الزهري قال : دعاء الذي عنده علم من الكتاب ( يا إلهنا وإله كل شيء إلهاً واحداً لا إله إلاّ أنت ائتني بعرشها ) قال : فمثل له بين يديه . وقال مجاهد : يا ذا الجلال والإكرام . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا طلحة بن محمد بن جعفر وعبيد الله بن أحمدبن يعقوب قالا : حدّثنا أبو بكر بن مجاهد قال : حّدثنا إسماعيل عن عبد الله بن إسماعيل عن ابن زيد قال : الذي عنده علم من الكتاب رجل صالح كان في جزيرة من جزائر البحر فخرج ذلك اليوم ينظر مَن ساكن الأرض ؟ وهل يعبد الله عزَّوجل أم لا يعبد ؟ فوجد سليمان ( عليه السلام ) فدعا باسم من أسماء الله فإذا هو بالعرش حُمل فأتى به سليمان من قبل إنْ يرتدّ إليه طرفه .

وبه عن مجاهد قال : حدّثني البزي وابن حرب قال : حدّثنا أبو حذيفة قال : حدّثنا شبل قال : زعم ابن أبي بزة أن اسم الذي عنده علم من الكتاب اسطوم ، وقال بعضهم : كان رجل من حمير يقال له : ضبّة .

وقال قتادة : كان إسمه بليحا ، وقال محمد بن المنكدر : إنما هو سليمان أما إن الناس يرون أنّه كان معه اسم وليس ذلك كذلك ، إنّما كان رجل عالم من بني إسرائيل آتاه الله علماً وفقهاً فقال : أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك ، قال سليمان ( عليه السلام ) : هات ، فقال : أنت النبي ابن النبي وليس أحد أوجه عند الله منك ولا أقدر على حاجته فإن دعوت الله ، وطلبت إليه كان عندك .

قال : صدقت ففعل ذلك فجيء بالعرش في الوقت .

وقوله { قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } اختلفوا في معناه فقال سعيد بن جبير : يعني قبل أن يرجع إليك أقصى من تركت ، وهو أن يصل إليك من كان منك على مَدّ بصرك . قتادة : قبل أن يأتيك الشخص من مد البصر .

وهب : تمد عينيك فلا ينتهي طرفك الى مداه حتى أُمثّله بين يديك .

مجاهد : يعني إدامة النظر حتى يرتد الطرف خاسئاً .

وعنه أيضاً قال : يعني مدّ بصرك ما بينك وبين الحيرة ، وهو يومئذ في كندة .

وعن قتادة : هو أن يبعث رسولاً الى منتهى طرفه فلا يرجع حتى يؤتى به .

فلمّا رآه يعني رأى سليمان ( عليه السلام ) العرش { مُسْتَقِرّاً عِندَهُ } محمولاً إليه من مأرب الى الشام في قدر ارتداد الطرف { هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ } نعمته { أَمْ أَكْفُرُ } ها فلا أشكرها { وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } لم ينفع بذلك غير نفسه حيث استوجب بشكره تمام النعمة ودَوامَها ؛ لأنَّ الشكر قيد للنعمة الموجودة وصيد للنعمة المفقودة .

{ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } بالإفضال على من كفر نعمه .