بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُۥ عِلۡمٞ مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن يَرۡتَدَّ إِلَيۡكَ طَرۡفُكَۚ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسۡتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَٰذَا مِن فَضۡلِ رَبِّي لِيَبۡلُوَنِيٓ ءَأَشۡكُرُ أَمۡ أَكۡفُرُۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيّٞ كَرِيمٞ} (40)

فقال سليمان : أنا أريد أسرع من هذا { قَالَ الذى عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الكتاب } يعني : آصف بن برخيا ، وكان وزيره ومؤدبه في حال صغره ، وكان يعلم الاسم الأعظم ، ويقرأ كتاب الله . فقال : يا إلهنا وإله كل شيء إلهاً واحداً لا إله إلا أنت . ويقال : هو قوله يا حي يا قيوم . ويقال يا ذا الجلال والإكرام ويقال إن الذي عنده علم من الكتاب هو جبريل عليه السلام ، وهو قول المعتزلة . قال الشيخ الإمام : لأنهم لا يرون كرامة الأولياء وأكثر المفسرين على أنه آصف بن برخيا رضي الله عنه قال : { قَالَ الذى عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الكتاب أَنَاْ ءاتِيكَ } يعني : قبل أن ينتهي إليك الذي وقع عليه منتهى بصرك ، وهو جاءٍ إليك . ويقال : قبل أن تطرف . قال له سليمان : لقد أسرعت إن فعلت ذلك ، فدعا بالاسم الأعظم ، فإذا بالسرير قد ظهر بين يدي سليمان { فَلَمَّا رَءاهُ } أي : رأى سليمان السرير { مُسْتَقِرّاً عِندَهُ } أي : موجوداً عنده { قَالَ } سليمان { هذا مِن فَضْلِ رَبّى لِيَبْلُوَنِى } يعني : ليختبرني { أأشكَرَ } هذه النعمة { أَمْ أَكْفُرُ } نعم الله تعالى إذا رأيت من دوني هو أعلم مني . قال مقاتل : فلما رفع رأسه قال : الحمد لله الذي جعل في أهلي من يدعوه ، فيستجيب له { وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } يعني : يفعل لنفسه ، لأنه يعود إليه حيث يستجيب المزيد من الله تعالى { وَمَن كَفَرَ } النعم يعني : ترك الشكر { فَإِنَّ رَبّى غَنِىٌّ } عن شكر العباد { كَرِيمٌ } في الإفضال على من شكره بالنعمة . ويقال : كريم لمن شكر من عباده . ويقال : لما رأى آصف السرير مستقراً عنده خرج من فضل نفسه ، ورجع إلى فضل الله ، ورأى الحول والقوة لله تعالى ، فقال : هذا من فضل ربي لا من فضل نفسي ، ولو لم يقل من فضل ربي لسقط عن المنزلة أسرع من إتيان السرير حيث قال : { قَالَ عِفْرِيتٌ مّن } حيث شهر نفسه بالفضيلة . ويقال : { أنا آتيك به } . يعني : بالله آتيك لا بالمدة والحيلة ؛ فأسقط الحول والقوة عن نفسه ، وسلم الأمر إلى الله . فقال : { هذا مِن فَضْلِ رَبّى } ، فلما رأى سليمان السرير عنده علم أن هذا ليس من قوة جلسائه ، إنما هو من صنع ربه .