غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَّوۡ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدٗا لَّٱصۡطَفَىٰ مِمَّا يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ سُبۡحَٰنَهُۥۖ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ} (4)

1

ومن جملة كذبهم قولهم الملائكة بنات الله فلذلك نعبد صورها فاحتج على إبطال معتقدهم بقوله : { لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء } وهو الأفضل يعني البنين لا الأنقص وهن البنات . وقال جار الله : معناه لو أراد اتخاذ الولد لم يزد على ما فعل من اصطفاء ما شاء من خلقه وهم الملائكة ، لأن اتخاذ الولد ممتنع ، وفيه توبيخ لهم على أنهم حسبوا الاصطفاء اتخاذ الأولاد بل البنات . وأقول : إنه تعالى أراد إبطال قولهم بطريق برهان وهو صورة قياس استثنائي كقوله { لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى } لأجل الاتخاذ مما يخلق ما يشاء لكنه ما اصطفى ينتج أنه لم يرد أما الشرطية فظاهرة بعد تسليم كما قدرته ، وأما الثانية فأشار إليها بقوله { سبحانه هو الله الواحد القهار } فقوله { سبحانه } إشارة إلى استحالة اصطفائه شيئاً لأجل اتخاذ الولد . وقوله { هو الله الواحد القهار } إشارة إلى البرهان على استحالة ذلك وتقريره من ثلاثة أوجه : الأول أنه هو الله وهو اسم للمعبود الواجب الذات الجامع لجميه نعوت الجمال والجلال واتخاذ الولد يدل على الحاجة والفقر حتى يقوم الولد بعده مقامه ، أو على الاستئناس والالتذاذ بوجوده أو لغير ذلك من الأغرض ، وكل ذلك ينافي الوجوب الذاتي والاستغناء المطلق . الثاني أنه هو الواحد الحقيقي كما مر ذكره مراراً . والولد إنما يحصل من جزء من أجزاء الوالد ، ومن شرطه أن يكون مماثلاً لوالده في تمام الماهية حتى تكون حقيقة الوالد حقيقة نوعية محمولة على شخصين ، ويكون تعين كل منهما معلوماً لسبب منفصل وكل ذلك ينافي التعين الذاتي والوحدة المطلقة . وأيضاً إن حصول الولد من الزوج يتوقف على الزوجة عادة وهي لا بد أن تكون من جنس الزوج فلا يكون الزوج مما ينحصر نوعه في شخصه . الثالث أنه هو القهار والمحتاج إلى الولد هو الذي يموت فيقوم الولد مقامه والميت مقهور لا قاهر ، فثبت بهذه الدلائل أنه تعالى ما اصطفى شيئاً لأن يتخذه ولداً فصح أنه لم يرد ذلك ، ونفي إرادة الاتخاذ أبلغ من نفي الاتخاذ فقد يراد ولا يتخذ لمانع كعجزه ونحوه . هذا ما وصل إليه فهمي في تفسير هذه الآية والله تعالى أعلم بأسرار كلامه .