تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَّوۡ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدٗا لَّٱصۡطَفَىٰ مِمَّا يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ سُبۡحَٰنَهُۥۖ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ} (4)

قوله تعالى : { لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } ظاهر هذا أن إيجاد الولد له من المحتمل والممكن ، ليس من الممتنع . وكذلك ظاهر قوله : { لو أردنا نتخذ لهوا } [ الأنبياء : 17 ] ظاهر هذا الذي ذكر ، هو من المحتمل والممكن ليس من الممتنع .

لكن قوله عز وجل : { تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا } { أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا } [ مريم : 90 و91 ] يدل على أن إيجاد الولد من الممتنع والعظيم في العقول والقلوب جميعا .

ثم قوله : { لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ }يحتمل وجهين :

أحدهما : أي لو جاز ، أو احتمل إيجاد الولد على ما تقولون أنتم ، وتتوهمون لاصطفى ، واختار مما يشاء هو ليس على ما تختارون أنتم له ، وتشاؤون أن الملائكة بنات الله على ما تزعمون ؛ إذ العرف في الخلق أن من اتخذ لنفسه شيئا إنما اتخذه من أعز الأشياء وأرفعها وأعظمها قدرا عندهم لا من أخس الأشياء وأذلها . وهو كقوله عز وجل : { فراغ إلى آلهتهم } [ الصافات : 91 ] أي : إلى آلهتهم التي اتخذها أولئك آلهة في الحقيقة ، ولكن سماها بالذي عندهم ، وكذلك قول موسى عليه السلام : { وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا } [ طه : 97 ] أي انظر إلى إلهك الذي اتخذته إلها ، سماه على ما هو عنده .

فعلى ذلك قوله عز وجل : { لو أراد الله } على ما في ظنونكم وتوهمكم أنه لو اتخذ الولد لاختار مما ذكر مما تقولون أنتم ؛ لو احتمل ذلك على ما في ظنكم وحسبانكم لكان مما ذكر .

والثاني : مبنى الإيجاد راجع إلى البنين إذ كانت الكفرة ينسبونه إلى أنهم بناته ، وإلى أن عيسى ابنه . .

وإنما تتخذ الأولاد ، وينسبون ، ليستنصر بهم . فبرأ الله عز وجل نفسه عن احتمال الشكل وخوف الغلبة ، فقال : { سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } دفع ما قالوا فيه ، وأحاله ؛ ذلك لما أخبر أنه واحد في الذات . ولو كان له ما ذكر هؤلاء من الولد من الولد لم يكن واحدا في الذات ؛ إذ كل محتمل الولد منه هو من شلك الولد . فإن عرفهم أنه واحد لم يحتمل الولد وما ذكروا .

وفي قوله عز وجل : { القهار دلالة إحالة ذلك لأنه أخبر أنه قهار .

والولد في الشاهد إنما يتخذ لأحد وجوه : إما لوحشة أصابته ، فيستأنس ، وإما لحاجة تمسه ، فيدفع بالولد تلك ، وإما لغلبة شهوة ، فيقضيها ، فيتولد من ذلك الولد ، وإما لوراثة ملكه بعد موته ، وهو دائم باق لا يزول ملكه ، وإما لاستعانة به والنصرة على أعدائه . لأحد هذه الوجوه التي ذكرنا يحتاج المرء إلى اتخاذ الولد وهو قادر بذاته ، قاهر ، غني ، لا يحتمل ما ذكروا ، والله أعلم .