قوله تعالى : { لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } ظاهر هذا أن إيجاد الولد له من المحتمل والممكن ، ليس من الممتنع . وكذلك ظاهر قوله : { لو أردنا نتخذ لهوا } [ الأنبياء : 17 ] ظاهر هذا الذي ذكر ، هو من المحتمل والممكن ليس من الممتنع .
لكن قوله عز وجل : { تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا } { أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا } [ مريم : 90 و91 ] يدل على أن إيجاد الولد من الممتنع والعظيم في العقول والقلوب جميعا .
ثم قوله : { لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ }يحتمل وجهين :
أحدهما : أي لو جاز ، أو احتمل إيجاد الولد على ما تقولون أنتم ، وتتوهمون لاصطفى ، واختار مما يشاء هو ليس على ما تختارون أنتم له ، وتشاؤون أن الملائكة بنات الله على ما تزعمون ؛ إذ العرف في الخلق أن من اتخذ لنفسه شيئا إنما اتخذه من أعز الأشياء وأرفعها وأعظمها قدرا عندهم لا من أخس الأشياء وأذلها . وهو كقوله عز وجل : { فراغ إلى آلهتهم } [ الصافات : 91 ] أي : إلى آلهتهم التي اتخذها أولئك آلهة في الحقيقة ، ولكن سماها بالذي عندهم ، وكذلك قول موسى عليه السلام : { وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا } [ طه : 97 ] أي انظر إلى إلهك الذي اتخذته إلها ، سماه على ما هو عنده .
فعلى ذلك قوله عز وجل : { لو أراد الله } على ما في ظنونكم وتوهمكم أنه لو اتخذ الولد لاختار مما ذكر مما تقولون أنتم ؛ لو احتمل ذلك على ما في ظنكم وحسبانكم لكان مما ذكر .
والثاني : مبنى الإيجاد راجع إلى البنين إذ كانت الكفرة ينسبونه إلى أنهم بناته ، وإلى أن عيسى ابنه . .
وإنما تتخذ الأولاد ، وينسبون ، ليستنصر بهم . فبرأ الله عز وجل نفسه عن احتمال الشكل وخوف الغلبة ، فقال : { سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } دفع ما قالوا فيه ، وأحاله ؛ ذلك لما أخبر أنه واحد في الذات . ولو كان له ما ذكر هؤلاء من الولد من الولد لم يكن واحدا في الذات ؛ إذ كل محتمل الولد منه هو من شلك الولد . فإن عرفهم أنه واحد لم يحتمل الولد وما ذكروا .
وفي قوله عز وجل : { القهار دلالة إحالة ذلك لأنه أخبر أنه قهار .
والولد في الشاهد إنما يتخذ لأحد وجوه : إما لوحشة أصابته ، فيستأنس ، وإما لحاجة تمسه ، فيدفع بالولد تلك ، وإما لغلبة شهوة ، فيقضيها ، فيتولد من ذلك الولد ، وإما لوراثة ملكه بعد موته ، وهو دائم باق لا يزول ملكه ، وإما لاستعانة به والنصرة على أعدائه . لأحد هذه الوجوه التي ذكرنا يحتاج المرء إلى اتخاذ الولد وهو قادر بذاته ، قاهر ، غني ، لا يحتمل ما ذكروا ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.