فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَّوۡ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدٗا لَّٱصۡطَفَىٰ مِمَّا يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ سُبۡحَٰنَهُۥۖ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ} (4)

{ لَّوْ أَرَادَ الله أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاصطفى } هذا مقرّر لما سبق من إبطال قول المشركين : بأن الملائكة بنات الله لتضمنه استحالة الولد في حقه سبحانه على الإطلاق ، فلو أراد أن يتخذ ولداً لامتنع اتخاذ الولد حقيقة ، ولم يتأتّ ذلك إلا بأن يصطفي { مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء } أي يختار من جملة خلقه ما يشاء أن يصطفيه ، إذ لا موجود سواه إلا وهو مخلوق له ، ولا يصح أن يكون المخلوق ولداً للخالق لعدم المجانسة بينهما ، فلم يبق إلا أن يصطفيه عبداً كما يفيده التعبير بالاصطفاء مكان الاتخاذ ؛ فمعنى الآية : لو أراد أن يتخذ ولداً لوقع منه شيء ليس هو من اتخاذ الولد ، بل إنما هو من الاصطفاء لبعض مخلوقاته ، ولهذا نزّه سبحانه نفسه عن اتخاذ الولد على الإطلاق ، فقال : { سبحانه } أي تنزيهاً له عن ذلك ، وجملة { هُوَ الله الواحد القهار } مبينة لتنزّهه بحسب الصفات بعد تنزّهه بحسب الذات ، أي هو المستجمع لصفات الكمال المتوحد في ذاته ، فلا مماثل له القهّار لكل مخلوقاته ، ومن كان متصفاً بهذه الصفات استحال وجود الولد في حقه ، لأن الولد مماثل لوالده ، ولا مماثل له سبحانه ، ومثل هذه الآية قوله سبحانه : { لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاتخذناه مِن لَّدُنَّا } [ الأنبياء : 17 ] .

/خ6