فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{لَّوۡ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدٗا لَّٱصۡطَفَىٰ مِمَّا يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ سُبۡحَٰنَهُۥۖ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ} (4)

{ لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه وهو الله الواحد القهار } : اتخاذ الفرد الصمد ولدا محال لاستلزامه ما ينافي الألوهية ؛ ثم جاء اللفظ أبلغ من هذا المعنى فكأنه إشارة إلى أنه لو أراد الاتخاذ لامتنع ، -إذ لا موجود سواه إلا وهو مخلوق له تعالى ، والمباينة تامة بين المخلوق والخالق ، والولدية تأبى تلك المباينة فالولد مماثل لأبيه . ومن يشابه أباه فما ظلم .

وتعالى مقام ربنا أن يتخذ ولدا ؛ وأنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ؟ ! { لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد } ، تنزه المولى وتقدس عما يقول المشركون والمدّعون له بنين أو بنات ، وإنما هو-جل ثناؤه- يجتبي ويختار من عباده من يرتضيهم ؛ ومهما آتاهم من الكرامات والمعجزات وخوارق العادات فليسوا إلا عبيدا للملك البارئ المهيمن ، وهو المعبود بحق الذي ليس كمثله شيء ، لا يماثله أحد في ذاته ، ولا في صفاته ولا في أفعاله ، وهو القيوم القائم على كل خلقه ، القاهر فوق عباده-فحيث كان جل وعلا قهّارا كما هو مقتضى الألوهية استحال أن يكون له عز وجل ولدا . . والولد من أعظم فوائده عندهم قيامه مقام الأب بعد زواله فإذا لم يكن الزوال لم يكن حاجة إلى الولد .

وهذا شرط لا يلزم وقوعه ولا جوازه ، بل هو محال ، وإنما قصد تجهيلهم فيما ادعوه وزعموه ، كما قال عز وجل : { لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين } { قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } . كل هذا من باب الشرط ، ويجوز تعليق الشرط على المستحيل لمقصد المتكلم .