غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞لَّا خَيۡرَ فِي كَثِيرٖ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَٰحِۭ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (114)

114

التفسير : ثم أشار إلى ما كانوا يتناجون به حيث يبيتون ما لا يرضى من القول . والنجوى سر بين اثنين وكذا النجو يقال : نجوته نجواَ أي ساررته وكذلك ناجيته . قال الفراء : قد تكون النجوى اسماً ومصدراً ، والآية وإن نزلت في مناجاة بعض قوم ذلك السارق بعضاً إلاّ أنها في المعنى عامة . والمراد أنه لا خير فيما يتناجى به الناس ويخوضون فيه من الحديث . { إلاّ من أمر بصدقة } وفي محل " من " وجوه مبنية على معنى النجوى . فإن كان النجوى السر جاز أن يكون " من " في موضع النصب لأنه استثناء الشيء من خلاف جنسه كقوله إلاّ أواريّ ومعناه لكن من أمر بصدقة ففي نجواه الخير ، أو في موضع الرفع كقوله : إلاّ اليعافير وإلاّ العيس . أبو عبيد جعل هذا من باب حذف المضاف معناه إلاّ نجوى من أمر على أنه مجرور بدل من كثير كما تقول : لا خير في قيامهم إلاّ قيام زيد أي في قيامه ، وعلى هذا يكون الاستثناء من جنسه . وإن كان النجوى بمعنى ذوي نجوى كقوله :{ وإذ هم نجوى }[ الإسراء :47 ] كان محله أيضاً مجروراً من { كثير } أو من نجوى كما لو قلت : لا خير في جماعة من القوم إلاّ زيد إن شئت أتبعت زيداً الجماعة وإن شئت أتبعته القوم . وإنما قال : { لا خير في كثير } مع أنه يصدق الحكم كلياً بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : " كلام ابن آدم كله عليه لا له إلاّ ما كان من أمر بمعروف أو نهي عن منكر " أو ذكر الله استجلاباً للقلوب وليكون أدخل في الاعتراف به ، وليخرج عنه الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .

واعلم أن قول الخير إما أن يتعلق بإيصال المنفعة أو بدفع المضرة ، والأول إن كان من الخيرات الجسمانية فهو الأمر بالصدقة ، وإن كان من الخيرات الروحانية بتكميل القوة النظرية أو العملية فهو الأمر بالمعروف . والثاني هو الإصلاح بين الناس فثبت أن الآية مشتملة على جوامع الخيرات ومكارم الأخلاق ، وهذه الأوامر وإن كانت مستحسنة في الظاهر إلاّ أنها لا تقع في حيّز القبول إلاّ إذا عمل صاحبها بما أمر كيلا يكون من زمرة { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم }[ البقرة :44 ]{ لم تقولون ما لا تفعلون }[ الصف :1 ] وإلاّ إذا طلب بها وجه الله فلهذا قال : { ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً } ويمكن أن يقال : إنّ معنى { ومن يفعل } الأمر والمراد ومن يأمر فعبر عن الأمر بالفعل لأنّ الأمر فعل من الأفعال . والمراد بقوله : { من أمر } من فعل لأنّ الأمر يلزمه الفعل غالباً .

/خ126