غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَيَسۡتَفۡتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِۖ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِيهِنَّ وَمَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّـٰتِي لَا تُؤۡتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرۡغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلۡوِلۡدَٰنِ وَأَن تَقُومُواْ لِلۡيَتَٰمَىٰ بِٱلۡقِسۡطِۚ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِۦ عَلِيمٗا} (127)

127

التفسير : أحسن الترتيبات اللائقة بالدعوة إلى الدين الحق والبعث على قبول التكاليف هو ما عليه القرآن الكريم من اقتران الوعد بالوعيد وخلط الترغيب بالترهيب وضم الآيات الدالة على العظمة والكبرياء إلى بيان الأحكام . والاستفتاء طلب الفتوى . يقال : استفتيت الرجل فأفتاني إفتاء وفتيا وفتوى وهما اسمان يوضعان موضع الإفتاء وهو إظهار المشكل من الفتى وهو الشاب الذي قوي وكمل كأنه قوي ببيانه ما أشكل فشب وصار فتياً قوياً . والاستفتاء لا يقع في ذوات النساء وإنما يقع في حالة من أحوالهن فلذلك اختلفوا ؛ فعن بعضهم أنهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان شيئاً من الميراث كما مر في أول السورة فنزلت في توريثهم . وقيل : إنه في الأوصياء . وقيل : في توفية الصداق لهن كانت اليتيمة تكون عند الرجل فإن كانت جميلة ومال إليها تزوج بها وأكل مالها ، وإن كانت دميمة منعها من الأزواج حتى تموت فيرثها . أما قوله : { وما يتلى عليكم } ففيه وجوه : أحدها أنه رفع بالابتداء معطوفاً على اسم الله أي الله يفتيكم والمتلو في الكتاب يفتيكم أيضاً .

ويجوز أن يكون رفعاً على الفاعلية لكونه عطفاً على المستتر في يفتيكم ، وجاز بلا تأكيد للفصل أي يفتيكم الله والمتلو في الكتاب في معنى اليتامى كقولك : أعجبني زيد وكرمه . وذلك المتلو هو قوله :{ وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى }[ النساء :3 ] كما سلف في أول السورة جعل دلالة الكتاب على هذا الحكم إفتاء من الكتاب . وثانيها { وما يتلى عليكم } مبتدأ و { في الكتاب } خبره وهي جملة معترضة ويكون المراد من الكتاب اللوح المحفوظ . والغرض تعظيم حال هذه الآية وأن المخل بها وبمقتضاها من رعاية حقوق اليتامى ظالم متهاون بما عظمه الله ، ونظيره في تعظيم القرآن قوله :{ وإنه في أم الكتاب لدينا لعليّ حكيم }[ الزخرف :4 ] وثالثها أنه مجرور على القسم لمعنى التعظيم أيضاً كأنه قيل : قل الله يفتيكم فيهن وحق المتلو . ورابعها أن يكون مجروراً على أنه معطوف على المجرور في { فيهن } قال الزجاج : إنه ليس بسديد لفظاً لعدم إعادة الخافض ، ومعنى لأنه لا معنى لقوله القائل : يفتي الله فيما يتلى عليكم من الكتاب ، لأن الإفتاء إنما يكون في المسائل . وقوله : { في يتامى النساء } على الوجه الأول صلة { يتلى } أي يتلى عليكم في معناهن أو بدل من { فيهن } وعلى سائر الوجوه بدل من { فيهن } لا غير . والإضافة في { يتامى النساء } قال الكوفيون : إنها إضافة الصفة إلى الموصوف وأصله في النساء اليتامى . وقال البصريون : إنها على تأويل جرد قطيفة وسحق عمامة . وجوز بعضهم أن يكون المراد بالنساء أمهات اليتامى كما في قصة أم كحة . ومعنى { لا تؤتونهن ما كتب لهن } قال ابن عباس : يريد ما فرض لهن من الميراث بناء على أنها نزلت في ميراث اليتامى والصغار . وقال غيره : يعني ما كتب لهن من الصداق . { وترغبون أن تنكحوهن } قال أبو عبيدة : هذا يحتمل الشهوة والنفرة أي ترغبون في أن تنكحوهن لجمالهن ، أو ترغبون عن أن تنكحوهن لدمامتهن . احتج أصحاب أبي حنيفة بالآية على أنه يجوز لغير الأب والجد تزويج الصغيرة . ورد باحتمال أن يكون المراد وترغبون أن تنكحوهن إذا بلغن ، ولأن قدامة بن مظعون زوج بنت أخيه عثمان بن مظعون من عبد الله بن عمر فخطبها المغيرة بن شعبة ورغبت أمها في المال ، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قدامة : أنا عمها ووصي أبيها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنها صغيرة وأنها لا تزوج إلا بإذنها وفرق بينها وبين ابن عمر " . ولأنه ليس في الآية أكثر من ذكر رغبة الأولياء في نكاح اليتيمة ، وذلك لا يدل على الجواز { والمستضعفين من الولدان } نزلت في ميراث الصغار . والخطاب في { أن تقوموا } للأئمة في أن ينظروا لهم ويستوفوا حقوقهم . قيل : ويجوز أن يكون { وأن تقوموا } منصوباً أي ويأمركم أن تقوموا .

ومن جملة ما أخبر الله تعالى أنه يفتيهم به في النساء لكن لم يتقدم ذكره .

/خ141