غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞فَمَا لَكُمۡ فِي ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِئَتَيۡنِ وَٱللَّهُ أَرۡكَسَهُم بِمَا كَسَبُوٓاْۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهۡدُواْ مَنۡ أَضَلَّ ٱللَّهُۖ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلٗا} (88)

82

ثم عاد إلى حكاية أحوال المنافقين فقال : { فما لكم في المنافقين فئتين } وهو منصوب على الحال والعامل معنوي مثل : ما لك قائماً أي ما تصنع ؟ وقيل : نصب على أنه خبر " كان " أي ما لكم كنتم في شأن المنافقين فئتين ؟ استفهام على سبيل الإنكار أي لا تختلفوا في كفرهم ولكن اقطعوا بنفاقهم فقد ظهرت دلائل ذلك وانكشفت جلية الحال . وذلك أنها نزلت في قوم من العرب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأسلموا وأصابوا وباء المدينة وحماها فقالوا : يا رسول الله نريد أن نخرج إلى الصحراء فأذن لنا فيه فأذن لهم . فلما خرجوا لم يزالوا يرحلون مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين . فتكلم المؤمنون فيهم فقال بعضهم : نافقوا . وقال بعضهم : هم مسلمون . فبين الله نفاقهم . وقال مجاهد وقتادة : هم قوم هاجروا من مكة ثم بدا لهم فرجعوا وكتبوا إنا على دينك وما أخرجنا إلا اجتواء المدينة والاشتياق إلى بلدنا .

وعن زيد بن ثابت : هم الذين تخلفوا يوم أحد وقالوا : لو نعلم قتالاً لاتبعناكم . وطعن بعضهم في هذا القول بأن نسق الكلام وهو قوله : { حتى يهاجروا في سبيل الله } يأباه إذ الهجرة تكون من مكة إلى المدينة . وعن عكرمة : هم قوم أخذوا أموال المشركين وانطلقوا بها إلى اليمامة . وقيل : هم العرنيون الذين أغاروا على السرح وقتلوا يساراً مولى النبي صلى الله عليه وسلم . وقال ابن زيد : نزلت في أهل الإفك . قال الحسن : سماهم المنافقين وإن أظهروا الكفر باعتبار حالهم التي كانوا عليها . { والله أركسهم } الركس والإركاس رد الشيء مقلوباً . ويقال للرفث الركس لأنه رد إلى حالة خسيسة وهي حال النجاسة ويسمى رجيعاً أيضاً لذلك والمراد ردهم إلى أحكام الكفار من الذل والصغار والسبي والقتل { بما كسبوا } أي بما أظهروا من الارتداد بعدما كانوا على النفاق { ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً } لأن المخلوق لا يقدر على تبديل خلق الخالق وعلى خلاف مقتضى إرادته ومشيئته . وهذا ظاهر في المقصود . والمعتزلة يقولون : قوله : { أركسهم بما كسبوا } أي بسبب كسبهم وفعلهم ينفي القول بأن ضلالهم حصل بخلق الله فإذن المراد من إضلال الله حكمه بضلالهم كما يقال : فلان يكفر فلاناً أي ينسبه إلى الكفر ويحكم عليه بذلك . أو المراد إضلالهم عن طريق الجنة وهو مفسر بمنع الألطاف .