غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ} (15)

1

قال جار الله : قوله { رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح } ثلاثة أخبار لقوله هو مترتبة على الأول وهو قوله { الذي يريكم } أو أخبار مبتدأ محذوف وهي مختلفة تعريفاً وتنكيراً أوسطها معرفة . ثم إن الرفيع إما أن يكون بمعنى الرافع أو بمعنى المرتفع ، وعلى الأول فإما أن يراد رافع درجات الخلق في العلم والأخلاق الفاضلة كما قال { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } [ المجادلة : 11 ] وكذا في الرزق والأجل بل جعل للملائكة مقامات معينة وللأجسام البسيطة العلوية والسفلية درجات معينة كما يشهد به علم الهيئة ، وقد أشرنا إلى ذلك في أثناء هذا الكتاب . أو يراد رافع درجات الأنبياء والأولياء في الجنة . وأما على الثاني فلا ريب أنه سبحانه أشرف الموجودات وأجلها رتبة من جهة استغنائه في وجوده وفي جميع صفات وجوده عن كل ما سواه ، وافتقار كل ما سواه إليه في الوجود وفي توابع الوجود .

واعلم أن كمال كبرياء الله لا يصل إليه عقول البشر فالطريق في تعريفه أن يؤيد المعقول بنحو من المحسوس ، فلهذا عقب الله تعالى هذه الصفة بصفتين أخريين ، وذلك أن ما سوى الله إما جسمانيات وإما روحانيات . أما الجسمانيات فأعظمها العرش فأشار بقوله { ذو العرش } إلى استيلائه على كلية عالم الأجسام ، وأما الروحانيات فأشار إلى كونها تحت تسخيره بقوله { يلقي الروح } أي الوحي { من أمره } أي من عالم أمره { على من يشاء من عباده } وقد مر نظيره في الآية في أول سورة النحل . وقيل من أمره حال ثم بين الغرض من الإلقاء بقوله { لينذر يوم التلاق } ووجه التسمية ظاهر لتلاقي الأجساد والأرواح فيه ، أو لتلاقي أهل السماء والأرض كما قال عز من قائل { ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً } [ الفرقان : 25 ] ولأن كل واحد يلاقي جزاء عمله . وقال ميمون بن مهران : يوم يلتقي فيه الظالم والمظلوم ، فربما ظلم رجل رجلاً وانفصل عنه ولم يمكن التلاقي أو استضعف المظلوم ففي يوم القيامة لا بد أن يتلاقيا .

/خ22