فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا : والله ما نعلم أهل دين أقل حظاً في الدنيا والآخرة منكم ، ولا ديناً شراً من دينكم ، فأنزل الله تعالى : { قل هل أنبئكم بشر من ذلك } يعني المتقدم وهو الإيمان ، ولا بدّ من حذف مضاف قبله أو قبل من تقديره بشر من أهل ذلك أو دين من لعنه الله و { مثوبة } نصب على التمييز من { شر } وهي من المصادر التي جاءت على " مفعول " كالميسور والمجلود ومثلها المشورة ، وقرئ مثوبة كما يقال مشورة والمثوبة ضدّ العقوبة . واستعمال أحد الضدّين مكان الآخر مجاز رخصه إرادة التهكم مثل :{ فبشرهم بعذاب أليم }[ آل عمران :21 ] وقد أخرج الكلام ههنا على حسب قولهم واعتقادهم وإلاّ فلا شركة بين المسلمين وبين اليهود في أصل العقوبة حتى يقال إن عقوبة أحد الفريقين شر ، ولكنهم حكموا بأن دين الإسلام شر فقيل لهم : هب أن الأمر كذلك ولكن لعن الله وغضبه ومسخ الصور شر من ذلك . قال المفسرون : عنى بالقردة أصحاب السبت وبالخنازير كفار مائدة عيسى عليه السلام . ويروى أن كلا المسخين كان في أصحاب السبت لأن شبانهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير ، ولهذا كان المسلمون يعيرون اليهود بعد نزول الآية ويقولون : يا إخوة القردة والخنازير فينكسون رؤوسهم . أما قوله : { وعبد الطاغوت } فقد ذكر في الكشاف فيه أنواعاً من القراءة لا مزيد فائدة في تعدادها لشذوذها إلاّ قراءة حمزة ، والوجه فيه أن العبد بمعنى العبد إلاّ أنه بناء مبالغة كقولهم : رجل حذر وفطن البليغ في الحذر والفطنة . قال الشاعر :
أبني لبيني إن أمكم *** أمة وإن أباكم عبد
أبني لبيني لستم بيدٍ *** إلاّ يداً ليست لها عضد
وقيل : هما لغتان مثل سبع وسبع . وقيل : إن العبد جمعه عباد والعباد جمعه عبد كثمار وثمر إلا أنهم استثقلوا الضمتين فأبدلت الأولى فتحة . وقيل : أرادوا أعبد الطاغوت مثل : فلس وأفلس إلا أنه حذف الألف وضم الباء لئلا يشبه الفعل . والطاغوت ههنا قيل : هو العجل . وقيل : هو الأحبار . والظاهر أنه كل ما عبد من دون الله ، وكل من أطاع أحداً في معصية فقد عبده . احتجت الأشاعرة بالآية على أن الكفر بجعل الله تعالى . وقالت المعتزلة : معنى هذا الجعل أنه حكم عليهم بذلك ووصفهم به كقوله :{ وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً }[ الزخرف :19 ] أو أنه خذلهم حتى عبدوها . { أولئك } الملعونون الممسوخون { شر مكاناً } من المؤمنين . قال ابن عباس : إن مكانهم سقر ولا مكان شر منه . وقال علماء البيان : هو من باب الكناية لأنه ذكر المكان وأريد أهله الذي هو ملزوم المكان . { وأضل عن سواء السبيل } قصده ووسطه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.