غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُلۡ هَلۡ أُنَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِۚ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيۡهِ وَجَعَلَ مِنۡهُمُ ٱلۡقِرَدَةَ وَٱلۡخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ} (60)

59

فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا : والله ما نعلم أهل دين أقل حظاً في الدنيا والآخرة منكم ، ولا ديناً شراً من دينكم ، فأنزل الله تعالى : { قل هل أنبئكم بشر من ذلك } يعني المتقدم وهو الإيمان ، ولا بدّ من حذف مضاف قبله أو قبل من تقديره بشر من أهل ذلك أو دين من لعنه الله و { مثوبة } نصب على التمييز من { شر } وهي من المصادر التي جاءت على " مفعول " كالميسور والمجلود ومثلها المشورة ، وقرئ مثوبة كما يقال مشورة والمثوبة ضدّ العقوبة . واستعمال أحد الضدّين مكان الآخر مجاز رخصه إرادة التهكم مثل :{ فبشرهم بعذاب أليم }[ آل عمران :21 ] وقد أخرج الكلام ههنا على حسب قولهم واعتقادهم وإلاّ فلا شركة بين المسلمين وبين اليهود في أصل العقوبة حتى يقال إن عقوبة أحد الفريقين شر ، ولكنهم حكموا بأن دين الإسلام شر فقيل لهم : هب أن الأمر كذلك ولكن لعن الله وغضبه ومسخ الصور شر من ذلك . قال المفسرون : عنى بالقردة أصحاب السبت وبالخنازير كفار مائدة عيسى عليه السلام . ويروى أن كلا المسخين كان في أصحاب السبت لأن شبانهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير ، ولهذا كان المسلمون يعيرون اليهود بعد نزول الآية ويقولون : يا إخوة القردة والخنازير فينكسون رؤوسهم . أما قوله : { وعبد الطاغوت } فقد ذكر في الكشاف فيه أنواعاً من القراءة لا مزيد فائدة في تعدادها لشذوذها إلاّ قراءة حمزة ، والوجه فيه أن العبد بمعنى العبد إلاّ أنه بناء مبالغة كقولهم : رجل حذر وفطن البليغ في الحذر والفطنة . قال الشاعر :

أبني لبيني إن أمكم *** أمة وإن أباكم عبد

أبني لبيني لستم بيدٍ *** إلاّ يداً ليست لها عضد

وقيل : هما لغتان مثل سبع وسبع . وقيل : إن العبد جمعه عباد والعباد جمعه عبد كثمار وثمر إلا أنهم استثقلوا الضمتين فأبدلت الأولى فتحة . وقيل : أرادوا أعبد الطاغوت مثل : فلس وأفلس إلا أنه حذف الألف وضم الباء لئلا يشبه الفعل . والطاغوت ههنا قيل : هو العجل . وقيل : هو الأحبار . والظاهر أنه كل ما عبد من دون الله ، وكل من أطاع أحداً في معصية فقد عبده . احتجت الأشاعرة بالآية على أن الكفر بجعل الله تعالى . وقالت المعتزلة : معنى هذا الجعل أنه حكم عليهم بذلك ووصفهم به كقوله :{ وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً }[ الزخرف :19 ] أو أنه خذلهم حتى عبدوها . { أولئك } الملعونون الممسوخون { شر مكاناً } من المؤمنين . قال ابن عباس : إن مكانهم سقر ولا مكان شر منه . وقال علماء البيان : هو من باب الكناية لأنه ذكر المكان وأريد أهله الذي هو ملزوم المكان . { وأضل عن سواء السبيل } قصده ووسطه .

/خ69