غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞وَٱكۡتُبۡ لَنَا فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِنَّا هُدۡنَآ إِلَيۡكَۚ قَالَ عَذَابِيٓ أُصِيبُ بِهِۦ مَنۡ أَشَآءُۖ وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـَٔايَٰتِنَا يُؤۡمِنُونَ} (156)

155

{ واكتب } أوجب { لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة } نظيره سؤال المؤمنين من هذه الأمة { ربنا آتينا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة } [ البقرة : 201 ] وقد فسرنا في سورة البقرة . واعلم أن كونه تعالى ولياً للعبد يناسبه أن يطلب العبد منه دفع المضار وتحصيل المنافع ليظهر آثار كرمه وإلهيته . وأيضاً اشتغال العبد بالتوبة والخضوع يناسب طلب هذه الأشياء . فذكر السبب الأوّل ثم رتب عليه الدعاء وختمه بالسبب الثاني وهو قوله { إنَّا هدنا إليك } قال أهل اللغة : النهود التوبة أي تبنا ورجعنا . وقد تم بذكر السببين عهد عز الربوبية وعهد ذل العبودية فلا يبعد وقوع الإجابة ولأن دفع الضر مقدم على تحصيل النفع ، قدم طلب المغفرة والرحمة على طلب إيجاب الحسنة في الدارين { قال } الله تعالى في جواب موسى { عذابي } من حالة وصفته أني { أصيب به من أشاء } إذا ليس لأحد عليّ اعتراض في ملكي . وقالت المعتزلة : أي من وجب عليّ في الحكمة تعذيبه ولم يكن في العفو عنه مساغ لكونه مفسدة . وقرأ الحسن { من أساء } من الإساءة { ورحمتي } من شأنها أنها { وسعت كل شيء } قالت الأشاعرة : هذا من العام الذي أريد به الخاص . وقال أكثر المحققين : إن رحمته في الدنيا تعم الكل ما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص إلا وهو متقلب في نعمته . وأما في الآخرة فهي مختصة بالمؤمنين وذلك قوله { فسأكتبها للذين يتقون } وقيل : الوجود خير من العدم فلا موجود إلا وهو مشمول بنعمته . وقيل : الخير مطلوب بالذات والشر مطلوب بالعرض وما بالذات راجح غالب . وقالت المعتزلة : الرحمة عبارة عن إرادة الخير ولا حي إلا وقد خلقه الله تعالى للرحمة والخير واللذة وإن حصل هناك ألم فله أعواض كثيرة . واعلم أن تكاليف الله تعالى كثيرة ولكنها محصورة في نوعين : التروك والأفعال . فقوله { فسأكتبها للذين يتقون } إشارة إلى التروك . التكليف الفعلي إما ما لي وهو قوله { ويؤتون الزكاة } وإما غيره وذلك قوله { والذين هم بآياتنا يؤمنون } فإنه يشمل كل ما يجب على الإنسان علماً وعملاً .

/خ159