الخامس : الثلاثة الذين خلفوا من هم ؟ الجواب هم المرجون لمر الله كما مرّ ، سّمُّوا مخلفين كما سمو مرجئين أي مؤخرين عن أبي لبابة وأصحابه حيث تيب عليهم بعد أولئك . وقيل : لأنهم خلفوا عن الغزو ومثله قراءة من قرأ بالتخفيف أي خلفوا الغازين . وقيل : المخلف من خلوف الفم أي فسدوا ، وقرأ جعفر الصادق عليه السلام : { خالفوا } . { حتى إذا ضاقت عليهم الأرض } مع سعتها وهو مثل للحيره في الأمر ، { وضاقت عليهم أنفسهم } أي قلوبهم لا يسعها أنس ولا سرور { وظنوا } أي علموا وتيقنوا { أن لا ملجأ من } سخط { الله إلا } إلى استغفاره كقوله صلى الله عليه وسلم : «أعوذ بك منك » وقيل : الظن بمعناه الأصلي وهو الرجحان وذلك أنهم ما كانوا قاطعين بأن ينزل الله في شأنهم قرآنا ، وإن سلم أنهم قطعوا بذلك إلا أنهم جوزوا أن تكون المدة قصيرة وجواب «إذا » محذوف والتقدير حتى إذا كان كذا وكذا تاب عليهم ، وحسن حذفه لتقدم ذكره . عن كعب بن مالك قال : لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه فرد عليّ كالمغضب بعدما كان ذكرني في الطريق وقال : ليت شعري ما خلف كعباً فقيل : له : ما خلفه إلا حسن برديه والنظر في عطفيه . فقال : معاذ الله ما أعلم إلا فضلاً وإسلاماً ونهى عن كلامنا - أيها الثلاثة - فتنكر لنا الناس ولم يكلمنا أحد من قريب ولا بعيد ، فلما مضت أربعون ليلة أمرنا أن نعتزل نساءنا ولا نقربهن ، فلما تمت خمسون ليلة إذا أنا بنداء من ذروة سلع - وهو جبل بالمدينة - أبشر يا كعب بن مالك فخررت ساجداً وكنت كما وصفني ربي { وضاقت عليهم الأرض بما رحبت } [ التوبة : 25 ] وتتابعت البشارة فلبست ثوبي وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمون فقال إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول إلي حتى صافحني وقال : لتهنك توبة الله عليك فلن أنساها لطلحة . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستنير استنارة القمر : أبشر يا كعب بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك ثم تلا علينا الآية . سئل أبو بكر الورّاق عن التوبة النصوح فقال : أن تضيق على التائب الأرض بما رحبت وتضيق عليه نفسه كتوبة كعب بن مالك وصاحبيه . السادس : قد عرفنا فائدة قوله : { ثم تاب عليهم } فما فائدة قوله : { ثم تاب عليهم ليتوبوا } ؟ الجواب معناه رجع عليهم بالقبول والرحمة كرة بعد ألأخرى ليستقيموا على توبتهم ، أو تاب عليهم في الماضي ليتوبوا في المستقبل إذا فرطت منهم خطيئة علماً منهم بأن الله تواب على من تاب ولو عاد في اليوم مائة مرة ، أو تاب عليهم ليرجعوا إلى حالهم وعادتهم في الاختلاط بالمؤمنين ، أو تاب عليهم لينتفعوا بالتوبة وثوابها لأن الانتفاع بها لا يحصل إلا بعد توبة الله عليهم . وقالت الأشاعرة : المقصود بيان أن فعل العبد مخلوق لله تعالى حتى إنه لو لم يتب عليهم لم يتوبوا . وأيضاً قالوا : في الآية دلالة على أن قبول التوبة غير واجب عقلاً لأن توبة هؤلاء قد حصلت من أوّل الأمر ، ثم إنه صلى الله عليه وسلم لم يلتفت إليهم وتركهم خمسين يوماً . ويمكن أن يجاب بأن شرائط التوبة من الإخلاص والنصح وغير ذلك لعلها لم تكن حاصلة من أوّل الأمر فلهذا تأخر القبول دليله قوله تعالى : { حتى إذا ضاقت } الآية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.