( سورة لم يكن مدنية ، حروفها ثلاثمائة وستة وتسعون ، كلمها أربع وتسعون ، آياتها ثمان ) .
التفسير : استصعب بعض العلماء - ومنهم الواحدي - حل هذه الآية ؛ لأنه تعالى لم يبين أنهم منفكون عن أي شيء ، إلا أن الظاهر أنه يريد انفكاكهم عن كفرهم ، ثم إنه فسر البينة بالرسول صلى الله عليه وسلم ، ومعلوم أن " حتى " لانتهاء الغاية ، فالآية تقتضي أنهم صاروا منفكين عن كفرهم عند إتيان الرسول ، وهذا ينافي قوله { وما تفرق } الآية . والجواب على ما قال صاحب الكشاف ، أن هذه حكاية كلام الكفار ، وتقديره أن الكفار من الفريقين أهل الكتاب وعبدة الأوثان كانوا يقولون قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم : لا ننفك عما نحن فيه من ديننا ولا نتركه حتى يبعث النبي صلى الله عليه وسلم الموعود الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، فحكى الله تعالى ما كانوا يقولونه . ثم قال { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب } يعني أنهم كانوا يعدون اجتماع الكلمة والاتفاق على الحق إذا جاءهم الرسول . ثم ما فرقهم عن الحق ولا أقرهم على الكفر إلا مجيء الرسول ، ونظيره من كلام البشر أن يقول الفاسق لمن يعظه : لست بممتنع مما أنا فيه من الأفعال القبيحة حتى يرزقني الله الغنى ، فلما رزقه الغنى ازداد فسقاً ، فيقول واعظه : لم تكن منفكاً عن الفسق حتى توسر ، وما غمست رأسك في الفسق إلا بعد اليسار ، يذكره ما كان يقوله توبيخاً وإلزاماً ؛ لأن الذي وقع كان خلاف ما ادعى . وقيل : إن " حتى " للمبالغة ، فيؤول المعنى إلى قولك مثلاً : لم يكن الذين كفروا منفكين عن كفرهم وإن جاءتهم البينة . وقال قوم : إنا لا نحمل قوله { منفكين } على الكفر ؛ بل على كونهم منفكين عن ذكر محمد صلى الله عليه وسلم بالمناقب والفضائل ، ثم لما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم تفرقوا ، وقال كل واحد فيه قولاً آخر رديئاً ، فتكون الآية كقوله { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به }
[ البقرة :89 ] ولا يبعد في هذا الوجه أن يكون بعضهم قد قال في محمد قولاً حسناً وآمن به لأن التفرق يحصل بأن لا يكون الجميع باقين على حالهم الأولى ، فإذا صار بعضهم مؤمناً وبعضهم كافراً على اختلاف طرق الكفر حصل التفرقة . ولا يبعد أيضاً أن يراد أنهم لم يكونوا منفكين عن اتفاق كلمتهم على كفرهم حتى جاءهم الرسول فحينئذ تفرقوا ، وما بقوا على ذلك الائتلاف واضطربت أقوالهم . وفي قوله { منفكين } إشارة إلى هذا ؛ لأن انفكاك الشيء هو انفصاله عنه بعد التحامه والتئامه ، كالعظم إذا انفك عن مفصله ، فالمعنى أن قلوبهم ما خلت عن تلك العقائد وعن الجزم بصحتها إلا بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم . وقوله { من أهل الكتاب والمشركين } بيان للذين كفروا ، والمراد أن الكفار فريقان بعضهم أهل الكتاب ومن يجري مجراهم كالمجوس ، وبعضهم مشركون ، وقيل : المشركون هم أهل الكتاب أيضاً ، وذلك أن النصارى هم أهل التثليث ، واليهود أهل التشبيه . وقد يقول القائل : جاءني العقلاء والظرفاء ، وأراد قوماً بأعيانهم . وفائدة الواو أنهم جامعون بين الوصفين ، ومما يؤيد هذا الوجه أنه لم يعد إلا ذكر أهل الكتاب في قوله { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب } والأولون اعتذروا عن ذلك بأنهم إنما خصصوا بالذكر لفضلهم وبركة علمهم ولمزيد توبيخهم ، فإن العصيان والعناد من العالم أقبح ، ولعل هذا هو السبب في تقديم ذكرهم أولاً . والبينة الحجة الواضحة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.