مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (116)

{ فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القرون مِن قَبْلِكُمْ } فهلا كان وهو موضوع للتحضيض ومخصوص بالفعل { أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ } أولوا فضل وخير ، وسمي الفضل والجود بقية لأن الرجل يستبقي مما يخرجه أجوده وأفضله فصار مثلاً في الجودة والفضل . ويقال : فلان من بقية القوم أي من خيارهم ، ومنه قولهم : «في الزوايا خبايا وفي الرجال بقايا » { يَنْهَوْنَ عَنِ الفساد فِى الأرض } عجب محمداً عليه السلام وأمته أن لم يكن في الأمم التي ذكر الله إهلاكهم في هذه السورة جماعة من أولىِ العقل والدين ينهون غيرهم عن الكفر والمعاصي { إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ } استثناء منقطع أي ولكن قليلاً ممن أنجينا من القرون نهوا عن الفساد وسائرهم تاركون للنهي . و«من » في { ممن أنجينا } للبيان لا للتبعيض لأن النجاة للناهين وحدهم بدليل قوله : { أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السوء وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ } [ الأعراف : 165 ] { واتبع الذين ظَلَمُواْ } أي التاركون للنهي عن المنكر ، وهو عطف على مضمر أي قليلاً ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد واتبع الذين ظلموا شهواتهم فهو عطف على « نهوا » { مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ } أي أتبعوا ما عرفوا فيه التنعم والترفه من حب الرياسة والثروة وطلب أسباب العيش الهنيء ، ورفضوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونبذوه وراء ظهورهم { وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ } اعتراض وحكم عليهم بأنهم قوم مجرمون