الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (116)

{ فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القرون مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ } [ هود : 116 ] ، { لَوْلاَ } : هي التي للتحضيض ، لكن ، يقترن بها هنا مَعْنَى التفجُّع والتأسُّف الذي ينبغي أنْ يقع من البَشَر عَلَى هذه الأُمَمِ التي لم تَهْتِدِ ، وهذا نحو قوله سبحانه : { يا حسرة عَلَى العباد } [ يس : 30 ] ، والقرون من قبلنا قومُ نوحٍ وعادٍ وثمود ، ومَنْ تقدم ذكْرُهُ .

وقوله : { أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ } [ هود : 116 ] أي : أولو بقيةٍ مِنْ عقْلٍ وتمييزٍ ودينٍ . { يَنْهَوْنَ عَنِ الفساد } وإِنما قيل : { بَقِيَّةٍ } ؛ لأن الشرائِعَ والدوَل ونَحْوَها ، قوَّتُها في أولها ، ثم لا تزال تَضْعُفُ ، فمن ثَبَتَ في وقْتِ الضعْفِ ، فهو بقيَّة الصدْرِ الأول .

و { الفساد فِي الأرض } : هو الكُفْر وما اقترن به من المعاصي ، وهذه الآيةُ فيها تنبيهٌ لهذه الأُمَّةِ وحضٌّ على تغيير المُنْكَر ، ثم استثنى الله عزَّ وجلَّ القوم الذين نَجَّاهم معَ أنبيائهم ، وهم قليلٌ بالإِضافة إِلى جماعاتهم ، و{ قَلِيلاً } استثناء مُنْقطعٌ ، أيْ : لكن قليلاً ممن أنجينا منهم ، نَهَوْا عن الفساد ، و«المُتْرَف » : المنعَّم الذي شغلَتْهُ تُرْفَتُهُ عن الحَقِّ حتى هلك .