بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (116)

قوله تعالى : { فَلَوْلاَ كَانَ } يعني : فهلا كان { مِنَ القرون مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ *** بَقِيَّة } يعني : ذوو بقية من آمن وقال مقاتل : يعني : فلم يكن من القرون من قبلكم { أولو بقية } ، يعني : ذو بقية من دين ، { يَنْهَوْنَ عَنِ الفساد فِى الأرض إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ } وهم الذين ينهون عن الفساد في الأرض . وقال القتبي : فهلا أولو بقية من دين ، يقال : قوم لهم بقية ، إذا كان فيهم خير . قال القتبي : إذا رأيت «فلولا » بغير جواب ، يريد به هلا ، كقوله : { فلولا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ ولكن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ } [ الأنعام : 43 ] { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءَامَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ ءَامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخزى فِى الحياة الدنيا وَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ } [ يونس : 98 ] وقال بعض المفسرين : جعل «لولا » هاهنا . وفي سورة يونس ، بمعنى لم . وقال الزجاج : { أولو بقية } معناه : أولو تمييز ، ويجوز أولو طاعة وفضل . ومعنى بقية : إذا قلت في فلان بقية ، معناه : فيه فضل ، فيما يمدح به .

{ إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ } استثناء منقطع ، والمعنى : لكن قليلاً ممن أنجينا ممن ينهي عن الفساد . وروى سيف بن سليمان المكي ، بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنَّ اللَّهَ لا يُعَذِّبُ العَامَّةَ بِعَمَلِ الخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوُا المُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانِيهمْ ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أنْ يُنْكِرُوهُ ، فَلاَ يُنْكِرُونَهُ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلكَ عَذَّبَ الخَاصَّةَ وَالعَامَّةَ " . ثم قال : { واتبع الذين ظَلَمُواْ } يقول : اشتغل الذين كفروا { مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ } يعني : ما أنعموا وأعطوا من المال . ويقال : ارتكبوا على ما خولوا في الدنيا ، واشتغلوا عما سواها من أمر الآخرة ويقال : { واتبع الذين ظَلَمُواْ } يعني : السفلة ، { ما أترفوا في } ، يعني : من أترفوا ، وهم القادة والرؤساء . وقال الفراء : اتبعوا في دنياهم ، ما عودوا من النعيم ، وإيثار الدنيا على الآخرة . { وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ } يعني : مشركين .