ولما بيّن تعالى أنّ الأمم المتقدّمين حل بهم عذاب الاستئصال بين أنّ السبب فيه أمران ، السبب الأوّل : أنه ما كان فيهم قوم ينهون عن الفساد في الأرض فقال تعالى : { فلولا } ، أي : فهلا { كان من القرون } ، أي : من الأمم الماضية { من قبلكم أولو بقية } ، أي : أصحاب رأي وخير وفضل { ينهون عن الفساد في الأرض } وسمي الفضل والجود بقية ؛ لأنّ الرجل يستبقي مما يخرجه أجوده وأفضله فصار مثلاً في الجودة والفضل ، و يقال : فلان من بقية القوم ، أي : من خيارهم وبه فسر بيت الحماسة :
إن تذنبوا ثم يأتيني بقيتكم ***
ومنه قولهم : في الزوايا خبايا ، وفي الرجال بقايا . ويجوز أن تكون البقية بمعنى البقوى كالتقية بمعنى التقوى ، أي : فهلا كان منهم ذوو بقاء على أنفسهم وصيانة لها من سخط الله تعالى وعقابه .
فائدة : حكي عن الخليل أنه قال : كل ما في القرآن من كلمة لولا فمعناه هلا إلا التي في الصافات . قال صاحب «الكشاف » : وما صحت هذه الحكاية ففي غير الصافات { لولا أن تداركه نعمة من ربه } [ القلم ، 49 ] ، { ولولا رجال مؤمنون } [ الفتح ، 25 ] ، { ولولا أن ثبتناك } [ الإسراء ، 74 ] انتهى . وقوله تعالى : { إلا قليلاً ممن أنجينا منهم } استثناء منقطع ، معناه : ولكن قليلاً ممن أنجينا من القرون نهوا عن الفساد وسائرهم تاركون للنهي . السبب الثاني لنزول عذاب الاستئصال قوله تعالى : { واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه } ، أي : ما نعموا فيه من الشهوات واهتموا بتحصيل أسبابها وأعرضوا عما وراء ذلك { وكانوا مجرمين } ، أي : كافرين .
تنبيه : قوله تعالى : { واتبع الذين ظلموا } إن كان معناه واتبعوا الشهوات كان معطوفاً على مضمر ؛ لأنّ المعنى إلا قليلاً ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد ، وأتبع الذين ظلموا شهواتهم فهو عطف على نهوا ، وإن كان معناه واتبعوا جزاء الإتراف فالواو للحال فكأنه قيل : أنجينا القليل وقد أتبع الذين ظلموا جزاءهم . وقوله تعالى : { وكانوا مجرمين } عطف على أترفوا ، أي : اتبعوا الإتراف ، وكونهم مجرمين ؛ لأنّ تابع الشهوات مغمور بالآثام أو على اتبعوا ، أي : اتبعوا شهواتهم وكانوا مجرمين بذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.