مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلَا تَقُولُواْ لِمَنۡ أَلۡقَىٰٓ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنٗا تَبۡتَغُونَ عَرَضَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فَعِندَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٞۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبۡلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ فَتَبَيَّنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (94)

{ يَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ الله } سرتم في طريق الغزو { فَتَبَيَّنُواْ } «فتثبتوا » : حمزة وعلي وهما من التفعل بمعنى الاستفعال أي اطلبوا بيان الأمر وثباته ولا تتهوكوا فيه { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السلام } «السلم » : مدني وشامي وحمزة وهما الاستسلام . وقيل : الإسلام . وقيل : التسليم الذي هو تحية أهل الإسلام . { لَسْتَ مُؤْمِناً } في موضع النصب بالقول . وروي أن مرداس بن نهيك أسلم ولم يسلم من قومه غيره ، فغزتهم سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهربوا وبقي مرداس لثقته بإسلامه ، فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى منعرج من الجبل وصعد فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل وقال : لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم ، فقتله أسامة بن زيد واستاق غنمه فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد وجداً شديداً وقال

" قتلتموه إرادة ما معه " ثم قرأ الآية على أسامة . { تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحياة الدنيا } تطلبون الغنيمة التي هي حطام سريع النفاد فهو الذي يدعوكم إلى ترك التثبت وقلة البحث عن حال من تقتلونه . والعرض : المال ، سمي به لسرعة فنائه . و «تبتغون » حال من ضمير الفاعل في «تقولوا » { فَعِنْدَ الله مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ } يغنّمكموها تغنيكم عن قتل رجل يظهر الإسلام ويتعوذ به من التعرض له لتأخذوا ماله { كذلك كُنتُمْ مّن قَبْلُ } أول ما دخلتم في الإسلام سمعت من أفواهكم كلمة الشهادة فحصنت دماءكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم ، والكاف في «كذلك » خبر «كان » وقد تقدم عليها وعلى اسمها { فَمَنَّ الله عَلَيْكُمْ } بالاستقامة والاشتهار بالإيمان فافعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل بكم { فَتَبَيَّنُواْ } كرر الأمر بالتبين ليؤكد عليهم { إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } فلا تتهافتوا في القتل وكونوا محترزين محتاطين في ذلك .