تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلَا تَقُولُواْ لِمَنۡ أَلۡقَىٰٓ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنٗا تَبۡتَغُونَ عَرَضَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فَعِندَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٞۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبۡلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ فَتَبَيَّنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (94)

الآية 94

وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا } الآية : " قيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعث سرية إلى دار الحرب ، ( فسمع العدو ){[6368]} : سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم تريدهم ، فهربوا ، وأقام رجلا لإسلامه ، فلما رأى الخيل خاف أن يكونوا من العدو من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فألجأ غنمه إلى( ركن ){[6369]} ، ثم قام دونها ، فسمع التكبير ، فهبط إليهم ، وهو يقول : لا إله إلا الله ، فأتاه رجل من هؤلاء ، فقتله ، واستاق غنمه ، وما معه ، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأخبروه الخبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلتموه إرادة ما معه ؟ وهو يقول : لا إله إلا الله ، فقالوا : إنه قال متعوذا ، فقال : هلا شققتم عن قلبه " ( بنحوه مسلم 96/158 ) .

" وعن ابن عباس رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية ، فلقبهم رجل ، فسلم عليهم ، وحياهم بتحية الإسلام ، فحمل عليه رجل من السرية ، فقتله ، فلامه أصحابه ، وقالوا : أقتلت رجلا حيانا بتحية الإسلام ؟ فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بالذي صنع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أقتلته بعد ما قال : ( لا إله إلا الله ؟ ){[6370]} ، قال : إنما{[6371]} قالها متعوذا ، قال : فهلا شققت عن قلبه ؟ فتعلم ذلك ، فنزل قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا } ( بنحوه مسلم 96/159 ) فلا ندري كيفما كانت القصة ، ولكن فيه الأمر بالتثبت عند الشبهة ، والنهي عن الإقدام عندها . وهكذا الواجب على المؤمن الوقف عند اعتراض الشبهة في كل فعل وكل خبر لأن الله تعالى أمر بالتثبت في الأفعال بقوله : { فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا } وقال تعالى في الخبر : { إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا }( الحجرات : 6 ) ؛ أمر بالتثبت في الأخبار عند الشبهة كما أمر في الأفعال نبيه صلى الله عليه وسلم /111- أ/ { ولا نقف ما ليس لك به علم } ( الإسراء : 36 ) .

وفي الآية دليل فساد قول المعتزلة لأنه نهاهم أن يقولوا{ لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا } وهم يقولون : صاحب الكبيرة ليس بمؤمن ، وهو يقول ألف مرة على المثل : إني مسلم : فإذا نهى أن يقولوا : ليس مؤمن ؛ أمرهم أن يقولوا : هو مؤمن ، فيقال لهم : أنتم أعلم أم الله على ما قيل لهؤلاء ؟

وقوله تعالى : { تبتغون عوض الحياة الدنيا } قيل : الغنيمة{ فعند الله مغانم كثيرة } هذا يحتمل وجهين : يحتمل قوله : { فعند الله مغانم كثيرة } ( أي أجر عظيم وجزاء كثير ) ، ويحتمل{ فعند الله مغانم كثيرة } يعطيها لكم في غير هذا كقوله تعالى : { وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها } الآية : ( الفتح : 20 ) .

وقوله تعالى : { كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم } الآية اختلف فيه : قيل : { كذلك كنتم من قبل } ضلالا وكفارا{ فمن الله عليكم } بالإسلام والهجرة ، وهداكم به . وقيل : { كذلك كنتم من قبل } تخفون إيمانكم في المشركين ، وتكتمونه{ فمن الله عليكم } بإظهار الإسلام وإبدائه . وقيل : { كذلك كنتم من قبل } تأمنون في قومكم من المؤمنين ب : لا إله إلا الله ، ولا تخيفون

من قالها{ فمن الله عليكم } بالهجرة .

وعن ابن عباس ( أنه ){[6372]} قال : { كذاك كنتم من قبل } كفارا تقاتلون على الدنيا وعرضها( وقوله تعالى : { فتبينوا } عاد إلى الأول ، وأمر بالتثبت عند الشبهة . ألا ترى أنه روي في الخبر أنه قال : " المؤمن وقاف وزان " وقاف عند الشبهة ووزان ، يزن الأعمال ، فيختار أفضلها .


[6368]:في الأصل وم: فسمعوا.
[6369]:ساقطة من الأصل وم.
[6370]:ساقطة من الأصل وم.
[6371]:في الأصل وم: بما.
[6372]:ساقطة من الأصل وم.