المغنم : مفعل من غنم ، يصلح للزمان والمكان .
والمصدر ويطلق على الغنيمة تسمية للمفعول بالمصدر أي : المغنوم ، وهو ما يصيبه الرجل من مال العدو في الغزو .
{ يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة } روى البخاري ومسلم : أن رجلاً من سليم مرّ على نفر من الصحابة ومعه غنم ، فسلم عليهم ، فقالوا : ما سلم إلا ليتعوذ ، فقتلوه وأخذوا غنمه وأتوا بها الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت .
وقيل : بعث سرية فيها المقداد ، فتفرق القوم وبقي رجل له مال كثير لم يبرح ، فتشهد ، فقتله المقداد ، فأخبر الرسول عليه السلام بذلك فقال : « أقتلت رجلاً قال لا إله إلا الله ، فكيف لك بلا إله إلا الله غداً » ؟ وقيل : لقي الصحابة المشركين فهزموهم ، فشد رجل منهم على رجل ، فلما غشيه السنان قال : إني مسلم ، فقتله وأخذ متاعه ، فرفع ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : « قتلته وقد زعم أنه مسلم ؟ » فقال : قالها متعوذاً قال : « هلا شققت عن قلبه ؟ » في قصة آخرها : أن القاتل مات فلفظته الأرض مرتين أو ثلاثاً ، فطرح في بعض الشعاب .
وقيل : هي السرية التي قتل فيها أسامة بن زيد مرداس بن نهيك من أهل فدك ، وهي مشهورة .
وقيل : بعث الرسول عليه السلام أبا حدرد الأسلمي وأبا قتادة ومحلم بن جثامة في سرية إلى أسلم ، فلما بلغوا إلى عامر بن الأضبط الأشجعي حياهم بتحية الإسلام ، فقتله محكم وسلبه ، فلما قدموا قال : « أقتلته بعدما قال آمنت ؟ » فنزلت .
ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة وهي أنه تعالى لما ذكر جزاء من قتل مؤمناً متعمداً وأن له جهنم ، وذكر غضب الله عليه ولعنته وإعداد العذاب العظيم له ، أمر المؤمنين بالتثبت والتبين ، وأن لا يقدم الإنسان على قتل من أظهر الإيمان ، وأن لا يسفكوا دماً حراماً بتأويل ضعيف ، وكرر ذلك آخر الآية تأكيداً أن لا يقدم عند الشبه والإشكال حتى يتضح له ما يقدم عليه ، ولما كان خفاء ذلك منوطاً بالأسفار والغمزات قال : إذا ضربتم في الأرض ، وإلا فالتثبت والتبين لازم في قتل من تظاهر بالإسلام في السفر وفي الحضر ، وتقدم تفسير الضرب في قوله : { لا يستطيعون ضرباً في الأرض }
وقرأ حمزة والكسائي : فتثبتوا بالثاء المثلثة ، والباقون : فتبينوا .
وكلاهما تفعل بمعنى استفعل التي للطلب ، أي : اطلبوا إثبات الأمر وبيانه ، ولا تقدموا من غير روية وإيضاح .
وقال قوم : تبينوا أبلغ وأشد من فتثبتوا ، لأن المتثبت قد لا يتبين .
وقال الراغب : لأنه قلما يكون إلا بعد تثبت ، وقد يكون التثبت ولا تبين ، وقد قوبل بالعجلة في قوله عليه السلام : « التبين من الله والعجلة من الشيطان » وقال أبو عبيد هما : متقاربان .
قال ابن عطية : والصحيح ما قال أبو عبيد ، لأن تبين الرجل لا يقتضي أن الشيء بان ، بل يقتضي محاولة للتبين ، كما أنّ تثبت يقتضي محاولة للتبين ، فهما سواء .
وقال أبو علي الفارسي : التثبت هو خلاف الإقدام ، والمراد : التأني ، والتثبت أشد اختصاصاً بهذا الموضع .
ومما يبين ذلك قوله : { وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } أي أشد وقفاً لهم عن ما وعظوا بأن لا يقدموا عليه ، وكلام الناس : تثبَّتْ في أمرك .
وقد جاء أنّ التبين من الله ، والعجلة من الشيطان ، ومقابلة العجلة بالتبين دلالة على تقارب اللفظين .
والأكثرون على أنّ القاتل هو محلم ، والمقتول عامر كما ذكرنا ، وكذا هو في سير ابن إسحاق ، ومصنف أبي داود ، وفي الاستيعاب .
وقيل : المقتول مرداس ، وقاتله أسامة .
وقيل : قاتله غالب بن فضالة الليثي .
وقرأ عاصم ، وأبو عمرو ، وابن كثير ، والكسائي ، وحفص ، السلام بألف .
قال الزجاج : يجوز أن يكون بمعنى التسليم ، ويجوز أن يكون بمعنى الاستسلام .
وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحمزة ، وابن كثير .
من بعض طرقه ، وجبلة عن المفضل عن عاصم : بفتح السين واللام من غير ألف ، وهو من الاستسلام .
وقرأ أبان بن زيد ، عن عاصم : بكسر السين وإسكان اللام ، وهو الانقياد والطاعة .
قال ابن عطية : ويحتمل أن يراد بالسلام الانحياز والترك ، قال الأخفش : يقال فلان سلام إذا كان لا يخالط أحداً .
قال أبو عبد الله الرازي : أي لا تقولوا لمن اعتزلكم ولم يقاتلكم لست مؤمناً ، وأصله من السلامة ، لأن المعتزل عن الناس طالب للسلامة .
وقرأ الجحدري : بفتح السين وسكون اللام .
وقرأ أبو جعفر : مأمناً بفتح الميم أي : لا نؤمنك في نفسك ، وهي قراءة : عليّ ، وابن عباس ، وعكرمة ، وأبي العالية ، ويحيى بن يعمر .
ومعنى قراءة الجمهور ليس لإيمانك حقيقة أنك أسلمت خوفاً من القتل .
قال أبو بكر الرازي : حكم تعالى بصحة إسلام من أظهر الإسلام ، وأمر بإجرائه على أحكام المسلمين ، وإن كان في الغيب على خلافه .
وهذا مما يحتج به على توبة الزنديق إذا أظهر الإسلام ، فهو مسلم انتهى .
والغرض هنا هو ما كان مع المقتول من غنيمة ، أو من حمل ، ومتاع ، على الخلاف الذي في سبب النزول .
والمعنى : تطلبون الغنيمة التي هي حطام سريع الزوال .
وتبتغون في موضع نصب على الحال من ضمير : ولا تقولوا ، وفي ذلك إشعار بأن الداعي إلى ترك التثبت أو التبين هو طلبكم عرض الدنيا ، فعند الله مغانم كثيرة هذه عدة بما يسني الله تعالى لهم من الغنائم على وجهها من حل دون ارتكاب محظور بشبهة وغير تثبت ، قاله الجمهور .
وقال مقاتل : أراد ما أعده تعالى لهم في الآخرة من جزيل الثواب والنعيم الدائم الذي هو أجلّ المغانم .
{ كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا } قال ابن جبير : معناه كنتم مستخفين من قومكم بإسلامكم ، خائفين منهم على أنفسكم ، فمنّ الله عليكم بإعزاز دينكم ، فهم الآن كذلك كل منهم خائف في قومه ، متربص أن يصل إليكم ، فلم يصلح إذا وصل أن تقتلوه حتى تتبينوا أمره .
قال أبو عبد الله الرازي : وهذا فيه إشكال ، لأنّ إخفاء الإيمان ما كان عاماً فيهم انتهى .
ولا إشكال فيه ، لأن المسلمين كانوا أول الإسلام يحبون دينهم ، فالتشبيه وقع بتلك الحال الأولى ، وعلى تقدير تسليم أنّ إخفاء الإيمان ما كان عاماً فيهم ، لا إشكال أيضاً لأنه ينسب إلى الجملة ما وجد من بعضهم .
وقال ابن زيد : كذلك كنتم كفرة فمنّ الله عليكم بأن أسلمتم ، فلا تنكروا أن يكون هو كافراً ثم يسلم لحينه حين لقيكم ، فيجب أن يتثبت في أمره ، وقال الأكثرون : المعنى أنكم قبل الهجرة حين كنتم فيما بين الكفار تؤمنون بكلمة لا إله إلا الله ، فاقبلوا منهم ذلك .
وقال أبو عبد الله الرازي : فيه إشكال لأنّ لهم أن يقولوا ما كان إيماننا مثل إيمانهم ، لأنا آمنا اختياراً ، وهؤلاء أظهروا الإيمان تحت ظلال السيوف انتهى .
ولا إشكال في ذلك ، لأنه لا يلزم أن يكون التشبيه من كل الوجوه إذ كان يكون المشبه هو المشبه به ، وذلك محال ، ولا من معظم الوجوه .
والتشبيه هنا وقع في بعض الوجوه ، وهو : أن الدخول في الإسلام هو كان بكلمة الشهادة ، وقد حسن الزمخشري هذا القول وطوله جداً .
فقال : أول ما دخلتم في الإسلام سمعت من أفواهكم كلمة الشهادة ، فحصنت دماءكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم ، فمنّ الله عليكم بالاستقامة والاشتهار بالإيمان والتقدم ، وإن صرتم أعلاماً فيه فعليكم أن تفعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل بكم ، وأن تعتبروا ظاهر الإسلام في الكافة ، ولا تقولوا إن تهليل هذا لاتقاء القتل ، لا لصدق النية ، فتجعلوه سلماً إلى استباحة دمه وماله ، وقد حرمهما الله تعالى انتهى .
قال أبو عبد الله الرازي : والأقرب عندي أن يقال : إنَّ من ينتقل عن دين إلى دين ، ففي أول الأمر يحدث له ميل بسبب ضعيف ، ثم لا يزال ذلك الميل يتأكد ويتقوى إلى أن يكمل ويستحكم ويحصل الانتقال ، فكأنه قيل لهم : كنتم في أول الإسلام إنما حدث فيكم ميل ضعيف بأسباب ضعيفة إلى الإسلام ، ثم مَنّ الله عليكم بتقوية ذلك الميل وتأكيد النفرة عن الكفر ، فكذلك هؤلاء لما حدث فيهم ميل ضعيف إلى الإسلام بسبب هذا الخوف فاقبلوا منهم هذا الإيمان ، فإنّ الله يؤكد حلاوة الإيمان في قلوبهم ، ويقوي تلك الرغبة في صدورهم انتهى كلامه .
وليس كل من آمن من الصحابة كان ميله أولاً إلى الإسلام ميلاً ضعيفاً ثم يقوى ، بل من الصحابة من استبصر بأول وهلة دعاء الرسول ، أو رأى الرسول صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وأبي ذر وعبد الله بن سلام وأمثالهم ممن كان مستبصراً منتظراً .
قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون المعنى إشارة بذلك إلى القتل قبل التثبت ، أي على هذه الحال في جاهليتكم لا تثبتون ، حتى جاء الإسلام ومنّ الله عليكم انتهى .
والظاهر أنّ قوله : فمنّ الله عليكم ، هو من تمام كذلك كنتم من قبل .
وقيل : من تمام تبتغون عرض الحياة الدنيا وما قبله ، فالمعنى : منَّ عليكم بأنْ قبل توبتكم عن ذلك الفعل المنكر قاله : أبو عبد الله الرازي ، فتبينوا : تقدّم أنه قرئ فتثبتوا ، ويحتمل أن يكون هذا تأكيداً للأول ، ويحتمل أن يكون فتبينوا في قراءة من جعله من التبين ، أن لا يكون تأكيد الاختلاف متعلق التبين .
فالمعنى في الأول : فتبينوا أمر من تقدمون على قتله ، وفي الثاني : فتبينوا نعمة الله عليكم بالإسلام .
{ إن الله كان بما تعملون خبيراً } أي خبيراً بنياتكم وطلباتكم ، فكونوا محتاطين فيما تقصدونه ، متوخين أمر الله تعالى .
وهذا فيه تحذير ، فاحفظوا أنفسكم من موارد الزلل .
وقرأ الجمهور : إنَّ بكسر الهمزة على الاستئناف ، وقرئ بفتحها على أن تكون معمولة لقوله : { فتبينوا }