اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلَا تَقُولُواْ لِمَنۡ أَلۡقَىٰٓ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنٗا تَبۡتَغُونَ عَرَضَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فَعِندَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٞۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبۡلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ فَتَبَيَّنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (94)

لما نهى عن قتل المُؤمِن ، أمر المُجَاهِدِين بالتَّثَبُّت في القتل ؛ لئلاَّ يسْفِكُوا دماً حَرَاماً بتأويل ضَعِيفٍ ، والضَّرْب في الأرْض مَعْنَاه : السَّيْر فيها بالسَّفر للتِّجَارة والجِهَاد ، وأصْله من الضَّرْب باليَدِ ، وهو كِنَايَة عن الإسْرَاع في السَّيْر ، فإن{[9345]} من ضَرَب إنْسَاناً ، كانت حَرَكة يَدِهِ عند ذلك الضَّرْب سَرِيعَة .

قال الزَّجَّاج{[9346]} : معنى { ضربتم في سبيل الله } : إذا غَزَوْتُم وسِرْتُم إلى الجِهَاد .

قال القُرْطُبي : تقول العَرَب : ضَرَبْتُ في الأرْضِ ، إذا سِرْتَ لتِجَارَةٍ أو غزوٍ أو غيره مُقْتَرِنَة بفي ، وتقول : ضَرَبْت الأرْض دون " في " إذا قَصَدْت قَضَاء حَاجَة الإنْسَان ؛ ومنه قوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا يَخْرُجُ الرَّجُلان يضربان الغَائِطَ يتحدَّثَان ، كَاشِفين عن فَرْجَيْهما ، فإن الله يَمْقُتُ على ذَلِكَ " {[9347]} وفي " إذا " مَعْنَى الشَّرْط ، فلذلك دَخَلَت الفَاءُ في قوله : " فتبينوا " وقد يُجَازى بها ؛ كقوله : [ الكامل ] .

1865أ- . . . *** وإذا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلِ{[9348]}

والجيِّد ألا يُجَازى بها لقول الشَّاعر : [ الكامل ]

1865ب- والنَّفْسُ رَاغِبَةٌ إذَا رَغَّبْتَهَا *** وإذَا تُرَدُّ إلَى قَلِيلٍ تَقْنَعُ{[9349]}

قوله : " فتبينوا " : قرأ{[9350]} الأخوان من التَّثبُّت ، والباقُون من البَيَان ، هما متقاربان ؛ لأن مَنْ تَثبت في الشَّيْء تَبَيَّنه ، قاله أبو عبيد ، وصحَّحه ابن عطيَّة .

وقال الفَارِسيّ : " التثبُّت هو خِلاَف الإقْدام والمُرَاد التَّأنِّي ، والتَّثَبُّت أشد اخْتِصَاصاً بهذا المَوْضِع ؛ بدل عليه قوله : { وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } [ النساء : 66 ] أي : أشدٌّ وَقْعَاً لهم عَمَّا وُعِظوا به بألاَّ يُقْدِمُوا عليه " فاختارَ قراءة الأخوين .

وعكس قومٌ فرجَّحوا قراءة الجماعة ، قالوا : لأن المتثبِّت قد لا يَتَبيَّن ، وقال الرَّاغب : لأنه قلَّ ما يكون إلا بَعْدَ تثبُّت ، وقد يَكُون التَّثبُّت ولا تبيُّنَ ، وقد قُوبِل بالعَجَلة في قوله - عليه الصلاة والسلام - : " التبيُّن من الله والعَجَلُة من الشيطان " . وهذا يُقَوِّي قراءة الأخَوَيْن أيضاً ، و " تَفَعَّل " في كلتا القراءتين بمعنى اسْتَفْعَل الدال على الطَّلب ، أي : اطلبوا التثَبُّت أو البيان .

وقوله : " لمن ألقى " اللام للتَّبْلِيغ هنا ، و " من " مَوْصُولة أو مَوْصُوفة ، و " ألقى " هنا ماضي اللَّفْظِ ، إلا أنه بمعنى المُسْتقبل ، أي : لمن يُلْقَي ، لأنَّ النهيَ لا يكونُ عمّا وقع وانْقَضَى ، والمَاضِي إذا وقع صِلَة ، صَلح للمُضِيِّ والاسْتِقْبَال .

وقرأ{[9351]} نافع وابن عَامِر وحَمْزة : " السَّلَم " بفتح السِّين واللام من غير ألف ، وباقي السَّبْعَة : " السَّلام " بألف ، ورُوي عن عَاصِمٍ : " السَّلْم " بكسر السِّين وسكون اللام ، فأما " السَّلام " فالظَّاهِر أنه التَّحيّة .

والمعنى : لا تُقُولوا لمن حَيَّاكم بهذه التَّحِيّة إنه إنَّما قَالَها تَعَوُّذَاً فتُقْدِمُوا عليه بالسَّيْف لتأخذوا مَالَه ، ولكن كُفُّوا عَنْهُ ، واقْبَلُوا منه ما أظْهَرَهُ .

وقيل : مَعْنَاه : الاستسْلام والانْقياد ، والمعنى : لا تَقُولوا لمن اعْتَزَلَكُم ولم يقاتلكم : لَسْتَ مُؤمِناً ، وأصْل هذا من السَّلامة ؛ لأن المعتزل عن النَّاس طالبٌ للسَّلامة .

والسّلامةُ والسَّلَمُ - بفتحهما - الانقِيَاد فقط ، وكذا " السِّلْم " بالكسر والسُّكُون ، وقرأ الجَحْدري{[9352]} بفتحها وسُكُون اللام ، وقد تَقَدَّم [ القول فيها ]{[9353]} في البقرة ، والجُمْلَة من قوله : " لست مؤمناً " في محل نَصْب بالقَوْل ؛ والجُمْهُور على كَسْر الميم الثَّانِية من " مؤمناً " اسم فاعل ، وأبو جعفر{[9354]} بفتحها اسم مَفْعُول ، أي : لا نُؤمِّنك في نَفْسِك ، وتُرْوَى هذه القِرَاءة عن عَلِيٍّ وابن عبَّاس ويَحْيَى بن يَعْمُر .

قوله : " تبتغون " في محل نَصْبٍ على الحَالِ من فَاعِل " يقولوا " أي : لا تَقُولوا ذلك مُبْتَغِين .

فصل

ذَكُروا في سَبَب النُّزُول روايتين{[9355]} :

الأولى : أن الآية نزلت في " رجُلٍ من بَنِي مُرَّة بن عَوْف ، يقال له : مرداس بن نهيك رَجُل من أهْل فدك ، أسْلَم ولم يُسْلِم من قومِهِ غيره ، فَسَمِعُوا [ بسرية ]{[9356]} رسول الله صلى الله عليه وسلم تُريدهم ، وكان على السَّريَّة رجُلٌ يقال له : غَالِبُ بن فَضَالَة اللَّيْثي ، فهربوا وأقَام الرَّجُل ؛ لأنَّه كان مُسْلِماً ، فلما رأى الخيل خَافَ أن يكُونُوا من غَيْر أصْحَاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [ فألْجأ غَنَمَه إلى عاقُول من الجَبَل وصعد هو الجبل ، فلَّما تلاحَقُوا وكثروا ، سَمِعَهُم يكَبِّرون ، فلما سمع التكبير ، عَرَف أنهم من أصْحَاب رسُول الله صلى الله عليه وسلم فكَبَّر ونَزَل ]{[9357]} وهو يقول : لا إله إلا الله [ محمد رسُول الله ]{[9358]} ، السلام عليكم ، فتغشّاه أسَامةُ بن زيْدٍ فَقَتَلَهُ واسْتاق غَنَمه ، ثم رَجَعُوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه ، فوجَدَ عليه وَجْداً شديداً ، وقد [ كان ]{[9359]} سَبَقَهُم قبل ذلك الخَبَر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قتلتموه إرادة ما معه ؟ " ثم قرأ الآية على أُسَامَة بن زَيْد ، فقال : يا رسول الله ، اسْتَغْفِرْ لي ، فقال : فكيف{[9360]} تَصْنَعُ بلا إله إلا اللَّه ؟

قال أسامة : فما زال يُعِيدُها حتى وَدِدْت أنِّي لم أكُنْ أسْلَمت إلاّ يَومْئذٍ ، ثم استَغْفَر لي وقال : " أعتق رقبة " {[9361]} .

ورَوَى{[9362]} أبو ظبيان " عن أسَامة ؛ قال : قلت يا رسُول اللَّهِ ؛ إنما قَالَها خوْفاً من السِّلاح ، قال : " أفَلا شَقَقْتَ عن قَلْبِه ، حَتَّى تَعْلَم أقالَهَا أمْ لا " .

الثانية : روى عِكْرمة عن ابن عبَّاسٍ ؛ قال : مرَّ رجلٌ من بَنِي سليم على نَفَرٍ من أصْحَاب رسُول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه غَنَمٌ له فسلَّم عليهم ، قالوا : ما سلَّم عليكم إلا ليتعوذ مِنْكُم ، فقاموا فقتلُوه وأخَذُوا غَنَمَه ، فأتَوْا بها إلى رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأنزل اللَّهُ هَذِه الآيَة{[9363]} :

الثالثة : " أن المِقْدَاد بن الأسْوَد وقعت له وَاقِعَة مثل وَاقِعَة أُسَامة ، قال : فقلت يا رسول اللَّه ، أرأيت إن لَقِيتُ رجُلاً من الكُفَّار يقاتِلُنِي ، فَضَربَ إحْدَى يَدَيَّ بالسَّيْف ، ثم لازمني بشجرةٍ ، ثم قال : أسْلَمْتُ لله - تعالى - ، أفأقاتِلُه{[9364]} يا رسُول الله بَعْد ذَلِك ؟ فقال رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم : لا تَقْتُلْهُ ، فقال : يا رسُول الله إنه قَطَعَ يَدِي ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : لا تَقَتْلُه ، فإن قَتَلْتَهُ ، فإنه بمنزِلَتِك بعد أن تَقْتُلَهُ ، وأنت بِمَنْزِلَِتِه قبل أن يَقُول كَلِمَتَهُ التي قَالَها " {[9365]} .

فصل

قال أكثر الفُقَهاء : لو قال اليَهُودِي والنَّصْرَاني : أنا مُؤمِنٌ أو أنا مُسْلِمٌ ، لا يحكم بإسلامهِ بهذا القَدْرِ ، لأن مَذْهَبَه أن الَّذِي هو عليه{[9366]} هو الإسْلام وهو الإيمانِ ، ولو قال : لا إله إلا اللَّه محمَّدٌ رسُول الله ، فعِنْد قوم [ لا يحكَمُ بإسلامهِ ]{[9367]} ؛ لأن فيهم من يَقُول : إنه رسُولُ الله إلى العَرَب لا إلى الكُلِّ ، وفيهم من يَقُول : إنَّ محمَّداً الذي هو الرسُول الحَقُّ لم يجىء بَعْدُ وسيجيء بَعْد ذَلِك ؛ بل لا بُد بأن يعْتَرِف{[9368]} بأنَّ الَّذِي كان عَلَيْه بَاطِلٌ ، وأن الدِّين الموْجُود بين المُسْلِمِين هو الحَقُّ والفَرْضُ .

قال أبُو عبيدة{[9369]} جميع{[9370]} متاع الدُّنْيَا عَرَضٌ بفتح الرَّاء ، يقال : إن الدُّنْيَا عَرَضٌ حاضر يأخُذُ منها البَرُّ والفَاجِرُ ، والعَرْض بسُكُون الرَّاءِ ما سِوَى الدَّرَاهِم والدَّنَانِير{[9371]} ، وإنما سُمي مَتَاعُ الدُّنْيا عَرَضاً ؛ لأنه عَارِض زائل باقٍ ، ومنه سَمَّى المتكلِّمُون ما خَالفَ الجَوْهَر من الحَوَادِث عَرَضاً ؛ لقلة لَبْثهِ .

قوله - تعالى - : { فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ } يعني : ثواباً كثيراً ، وقيل : مغانم كثيرة لِمَنِ اتَّقى{[9372]} قَتْلَ المُؤمِن ، والمَغَانِم : جمع مَغْنَم ، وهو يصلح للمَصْدَر والزَّمَان والمَكَان ، ثم يُطْلَق على ما يُؤخَذُ من مال العَدُوِّ في الغَزْوِ ؛ إطلاقاً للمَصْدَر على اسْمِ المَفْعُول ، نحو : " ضَرْب الأمِير " .

قوله : " كذلك " هذا خبر ل " كان " قُدِّم عليها وعَلَى اسْمِها ، أي : كُنتم من قَبْل الإسْلام مثلَ مَنْ أقْدَمَ ولم يَتَثَبَّتْ ، وهذا يقتضي تشبيه هؤلاء المُخَاطبين بأولَئِك الَّذِين ألْقوا السَّلم ، وليس فيه بَيَانٌ للمُشَبَّه فيما إذا قِيلَ : المُرَادُ أنكم أوَّل ما دَخَلْتُم في الإسْلام ، فبمجرّد ما سُمعَتْ من أفْواهِكم كَلِمة الشَّهَادة ، حقنت دماؤكم وأمْوالُكُم من غير تَوقِيفٍ ذلك على حُصُول العِلْمِ بأن قَلْبكُم موافِقٌ لما في ضمائِركم{[9373]} فعليكُم بأن تَفْعَلُوا بالدَّاخلين في الإسْلامِ كمَا فُعِل بكم ، وأن تَعْتَبروا ظَاهِر القَوْل ، وألاَّ تقولوا إن إقْدامَهُم على الإسلام{[9374]} لأجْلِ الخَوْف من السَّيْف ، هذا إخْبَار{[9375]} أكثر المُفسِّرين ، وفيه إشْكَالٌ ؛ لأن لهم أن يَقُولوا : ما كان إيمانُنَا مثل إيمان هَؤلاء ؛ لأنا آمَنَّا عن الطواعِيَة والاخْتِيَار ، وهؤلاء أظْهَرُوا الإيمَان تحت ظلال السُّيُوف ، فكيف يُمْكِن تشبيه أحَدهما بالآخر ! .

قال سعيد بن جُبَيْر : المُرَاد أنكم كُنْتُم تكْتُمون{[9376]} إيمانَكُم عن قَوْمِكم ؛ كما أخْفَى هذا الدَّاعِي إيمانَهُ عن قومه{[9377]} ، ثم مَنَّ الله عَلَيْكُم بإعْزَازكم حتى أظْهَرْتُم دينكم ، فأنتُم عامِلُوهم بمثل هذه المُعَامَلَة ، وهذا أيضاً فيه إشْكَالٌ ؛ لأن إخْفَاء الإيمَانِ ما كان عامّاً فيهم .

قال مُقاتل : المراد كذلك كُنْتُم من قبل الهِجْرَة حين كُنْتُم فيما بين الكُفَّار ، تأمَنُون من أصْحَاب رسُول الله بكَلِمَة " لا إله إلا الله " فأقْبَلُوا منهم{[9378]} مثل ذلِك . وهذا يتوجه عليه الإشكال الأول . [ قال ابن الخطيب ]{[9379]} والأقْرَبُ أن يُقَال : إنَّ من يَنْتَقِل من دينٍ إلى دينٍ ، فَفِي أول الأمْر يَحْدُث ميلٌ قليل بسبب ضعيفٍ ، ثم لا يَزَال ذلك المَيْل يتأكد ويتَقَوَّى إلى أن يَكْمُل ويستحكم ويَحْصُل الانْتِقَال ؛ فكأنه قيل لهم : كُنْتم في أول الأمْرِ إنما حَدَث فِيكُم ميلٌ ضعيف بأسْبَابٍ ضعيفةٍ إلى الإسْلام ، ثم مَنَّ الله عَلَيْكُم بالإسْلام بتَقْوِيَة ذلك المَيْل وتأكِيد النَّفْرة عن الكُفْر ؛ فكذلك هؤلاء كما حدث فيهم مَيْل ضَعِيف إلى الإسْلامِ بسببِ هذا الخَوْفِ ، فاقبلوا منهم هذا الإيمَان ، فإن الله - تعالى - يؤكد حلاوة الإيمَانِ في قُلُوبهم ، ويقوِّي تلك الرَّغْبَة في صُدُورهم .

قوله - تعالى - : { فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ } الظَّاهِر أن هذه الجُمْلَة من تَتِمَّة قوله : " كذلك كنتم من قبل " فهي مَعْطُوفة على الجُمْلَة قَبْلَها ، والمعنى : إيمانُكُم كان مِثْل إيمانِهِم ، في أنَّه إنَّما عرف منكم بِمُجَرَّد القَوْل اللِّسَاني ، دون ما في القلب ، أو [ في ]{[9380]} أنه كان في ابْتِدَاء الأمْرِ{[9381]} حاصلاً بِسَببٍ ضَعِيفٍ ، ثم مَنَّ الله عَلَيْكم : حيث قوى نُورَ الإيمَانِ في قُلُوبِكُم ، وحَبَّبَه لكم وأثابكم عَلَى العَمَل بِهِ .

وقيل : بل هي من تَتِمَّة قوله : " تبتغون " عَرَض الحَيَاةِ الدُّنْيَا ؛ وذلك لأنَّ القَوْم لما قَتَلُوا من تكَلَّم بلا إله إلا الله ، ثم إنَّه - تعالى - نهاهُم عن هذا الفِعْل وبيَّن أنه من العَزَائِم ؛ قال بَعْدَه : " فمن الله عليكم " أي : منَّ عليكم بأن قَبِل تَوْبَتَكُم من ذَلِك الفعْلِ المنكَر ، ثم أعَاد الأمْر بالتَّبْيين ؛ مبالَغَة في التَّحْذِير ، فقال : " فتبينوا " قُرِئت{[9382]} كالتي قَبْلَها ، فقيل : هي تأكيد لَفْظِي للأولى .

وقيل : ليست للتأكيد ؛ لاخْتِلاَف متعلّقهما ، فإنَّ تقدير الأوّل : " فتبيَّنوا في أمْر مَنْ تَقْتُلُونَه " ، وتقدير الثَّانِي : فتبينوا نِعْمَة الله أو تثبَّتوا فيها ، والسِّيَاقُ يدل على ذلك ، ولأنَّ الأصل عدم التأكيد .

قوله : " إن الله كان بما تعملون خبيراً " والجُمْهُور على كَسْرِ هَمْزة " إن الله " ، وقرئ{[9383]} بفَتْحها على أنَّها معمُولة ل " تبينوا " ، أو على حذْف لاَم العِلَّةِ ، وإن كان قد قُرِئ بالفَتْح مع التَثَبُّت ، فيكونُ على لام العِلَّة لا غير .

والمُرادُ منه : الوَعِيد والزَّجْر عن إظْهَار خلافِ ما في الضَّمِير .

فصل : فيما إذا دخل الغزاة بلداً ووجدوا شعار الإسلام

إذا رأى الغُزَاةُ في بلد أو قرية شعارَ الإسلام ، فعليهم أن يَكُفُّوا عنهم ، فإنّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كان إذا غَزَا قوماً ، فإن سَمِع أذاناً كفّ عنهم ، وإن لم يَسْمَع ، أغار عليهم .

وَروي عن ابن عِصَام عن أبيه ؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بَعَثَ سرِيّةً قال : " إذا رَأيْتُم مسْجِداً أو سَمِعْتُم أذاناً ، فلا تَقْتُلُوا أحداً " {[9384]} .


[9345]:في أ: قال.
[9346]:ينظر: تفسير الرازي 11/3.
[9347]:أخرجه أبو داود (1/4 ـ 5) كتاب الطهارة، باب كراهة الكلام على الحاجة (15) وابن ماجه (1/123) كتاب الطهارة: باب النهي عن الاجتماع على الخلاء حديث (342) من حديث أبي سعيد.
[9348]:تقدم.
[9349]:البيت لأبي ذؤيب الهذلي ينظر الدرر 3/102، وشرح اختيارات المفضل ص 1693، وشرح أشعار الهذليين 1/7، وشرح شواهد المغني 1/262، ومغني اللبيب 1/93، وهمع الهوامع 1/206، والقرطبي 5/217.
[9350]:ينظر: السبعة 236، والحجة 3/173، وحجة القراءات 209، والعنوان 85، وإعراب القراءات 1/136، وشرح شعلة 342، وشرح الطيبة 4/211، وإتحاف 1/518.
[9351]:ينظر: السبعة 236، والحجة 3/175، 176، وحجة القراءات 209، والعنوان 85، وإعراب القراءات 1/136، 137، وشرح شعلة 343، وشرح الطيبة 4/213، وإتحاف 1/518.
[9352]:ينظر: المحرر الوجيز 2/296، والبحر المحيط 3/342، والدر المصون 2/416.
[9353]:سقط في ب.
[9354]:ينظر: القراءة السابقة.
[9355]:في ب: روايات.
[9356]:سقط في ب.
[9357]:سقط في أ.
[9358]:سقط في ب.
[9359]:سقط في ب.
[9360]:في ب: كيف.
[9361]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (9/8،) عن السدي وأخرجه أيضا (9/79) عن قتادة باختلاف يسير في اللفظ. وأورده السيوطي في "الدر المنثور" (2/357) عن قتادة وزاد نسبته لعبد بن حميد.
[9362]:في أ: وقال.
[9363]:أخرجه الترمذي (5/224) كتاب تفسير القرآن باب سورة النساء حديث (3030) والطبري في "تفسيره" (9/76) وأحمد (2023 ـ شاكر) والحاكم (2/235) من طريق عكرمة عن ابن عباس. وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/256) وزاد نسبته لابن أبي شيبة والطبراني وعبد بن حميد وابن المنذر.
[9364]:في ب: أقتله.
[9365]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (9/89) عن سعيد بن جبير وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/358) وزاد نسبته لابن أبي شيبة. ورواه البزار والطبراني كما في "مجمع الزوائد" (7/11 ـ 12) وقال الهيثمي: وإسناده جيد. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/357) وزاد نسبته للدارقطني في "الأفراد" عن ابن عباس.
[9366]:في ب: عليه هو.
[9367]:سقط في أ.
[9368]:في ب: يعرف.
[9369]:في ب: أبو عبيد.
[9370]:ينظر: تفسير الرازي 11/5.
[9371]:في ب: الدنانير والدراهم.
[9372]:في أ: ألقى.
[9373]:في أ: لسانكم.
[9374]:في أ: التكلم بهذه الكلمة.
[9375]:في أ: هو.
[9376]:في أ: تخفون.
[9377]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (9/83) عن سعيد بن جبير وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/359) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[9378]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/359) وعزاه لعبد بن حميد عن قتادة.
[9379]:سقط في أ.
[9380]:سقط في ب.
[9381]:في أ: الإسلام.
[9382]:أي: فتثبتوا ـ بالثاء ـ وقد تقدمت.
[9383]:ينظر: البحر المحيط 3/344، والدر المصون 2/416.
[9384]:أخرجه الحميدي في "مسنده" رقم (820) والزار والطبراني كما في "مجمع الزوائد" (6/210) من حديث ابن عصام عن أبيه وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني وإسنادهما حسن.