قوله : ( يَأَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا ) الآية [ 94 ] .
من قرأ بالتاء( {[13307]} ) ، فمعناه فتثبتوا حتى يتبين لكم الفاسق من غيره ، والمأمور بالتثبت في فسحة أوسع من المأمور بالتبيين ، لأن المأمور بالتبين قد لا يعذر على ذلك ، والمأمور بالتثبت لاشك أنه يقدر على ذلك ، فهو في فسحة من أمره ، ومقدرة على فعل ما أمر به ، وليس كذلك المأمور بالتبين لأنه قد لا يتبين له ما يريد إذا تبين ، والتثبت لا يمنع عليه من نفسه .
ومن قرأ بالياء فمعناه : تبينوا الفاسق من غيره ، ولاتعجلوا حتى تتبينوا ، فإن العجلة من الشيطان . وقال أبو عبيدة( {[13308]} ) : إحداهما قريبة من ( الأخرى )( {[13309]} ) .
وقال النحاس وغيره : فتبينوا أؤكد( {[13310]} ) لأن الإنسان قد يتثبت ( {[13311]} )ولا يتبين( {[13312]} ) . وهو( {[13313]} ) لا يتبين إلا مع التثبت ، ففي البيان يقع التثبت وليس بالتثبت يقع البيان . [ فالبيان( {[13314]} ) ] لابد منه فكل من تبين أمراً فبعد أن يتثبت فيه بان له ، وليس كل من تثبت في أمر تبينه ، فالبيان على هذا أوكد وأعلم ، ولكنه أشد كلفة في التثبت .
ومعنى الآية أن الله تعالى أمر المؤمنين إذا ضربوا في الأرض أي : ساروا في الجهاد أن يتثبتوا في القتل ، إذا أشكل عليهم الأمر ، فلم يعرفوا حقيقة إسلام( {[13315]} ) من أرادوا قتله ، وأن لا يقولوا لمن ألقى إليهم السلم ، أي : من استسلم في أيديهم ( لَسْتَ مُومِناً ) ليأخذوا ما معه .
ومن قرأ السلام : ( {[13316]} ) فمعناه لا تقولوا لمن سلم عليكم ( لَسْتَ مُومِناً ) لتأخذوا ما معه ، فعند الله مغانم كثيرة من رزقه ، فلا يغرنكم سَلَب من استسلم في أيديكم . ( كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ ) أي : كنتم من قبل مثل هذا الذي قتلتموه ، وأخذتم ماله استخفى بدينه من قومه حذراً على نفسه منهم ، وكذلك كنتم .
وقيل : معناه ، وكذلك كنتم كفاراً مثله ، فهداكم الله وأعز دينكم ، ومَنَّ عليكم بالإسلام والتوبة( {[13317]} ) .
وقيل : ( {[13318]} ) معنى( {[13319]} ) : ( فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ) فقد مَنَّ الله عليكم بالتوبة من قتيلكم هذا الذي استسلم إليكم ، ثم قتلتموه وأخذتم ماله ، فتثبتوا أي : لا تعجلوا في قتل من التبس عليكم أمر إسلامه .
وقرأ أبو رجاء : السِلْم بكسر السين .
وقرأ أبو جعفر : ( لست مؤمَناً ) بفتح الميم( {[13320]} ) أي : لسنا نؤمنك .
وهذه الآية نزلت في قتيل من غطفان اسمه مرداس( {[13321]} ) كان قد أسلم ، فقتلته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قال : إني مسلم ، وقيل : بعدما سلم عليهم . وقيل : بعدما قال : إني مسلم لا إله إلا الله ، وكانت معه غنيمة فأخذوها( {[13322]} ) .
ويروى أن الذي قتله مات ودفن ، فلفظته( {[13323]} ) الأرض ثلاث مرات ، يدفن وتلفظه الأرض فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلقوه في غار من الغيران ، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الأرض تقبل من هو شر منه ، ولكن الله جعله لكم عبرة " ( {[13324]} ) .
وقراءة من قرأ السلام يدل على أن ما روي أنه كان رجل معه غنيمة لقيه( {[13325]} ) سرية من المسلمين ، فقال : السلام عليكم ، وكانت جُنَّة لا يقتل من قالها ، فقتل الرجل وأخذ ما معه .
وحجة من قرأ السلام ما روي أنه قال لهم : إني مسلم وما روي أنه قال : إني مسلم لا إله إلا الله .
قوله : ( [ إِنَّ اللَّهَ ]( {[13326]} ) كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) أي : خبيراً بما تصنعون في طلبكم الغنيمة ، ولم تقبلوا منه ما قال لكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.