محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ} (107)

/ [ 107 ] { خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد 107 } .

{ خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد * وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذود } أي غير مقطوع ، ولكنه ممتد إلى غير نهاية .

وفي التوقيت ب { السماوات والأرض } وجهان :

أحدهما : أن يكون عبارة عن التأييد ونفي الانقطاع ، كقول العرب : ( ما أقام ثبير ) ، و ( ما لاح كوكب ) و ( ما طما البحر ) ونحوها : لا تعليق قرارهم في الدارين بدوام هذه السماوات الأرض ، فإن النصوص دالة على تأييد قرارهم ، وانقطاع دوامهما .

وثانيهما : أن يراد سماوات الآخرة وأرضها ، إذ لابد لأهلها من مظل ومقل . قال تعالى{[4883]} : { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات } وقوله{[4884]} : { وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء } .

فإن قلت : ما معنى الاستثناء بالمشيئة ، وقد ثبت خلود أهل الدارين فيهما من غير استثناء ؟ فالجواب : ما قدمناه في قوله تعالى{[4885]} : { قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله } يعني أن الاستثناء بالمشيئة قد استعمل في أسلوب القرآن ، للدلالة على الثبوت والاستمرار .

/ والنكتة في الاستثناء بيان أن هذه الأمور الثابتة الدائمة إنما كانت كذلك بمشيئة الله تعالى لا بطبيعتها في نفسها ، ولو شاء تعالى أن يغيرها لفعل .

وقد أشار لهذا ابن كثير بقوله : يعني أن دوامهم ليس أمرا واجبا بذاته ، بل موكول إلى مشيئته تعالى .

وابن عطية بقوله : هذا على طريق الاستثناء الذي ندب الشارع إلى استعماله في كل كلام كقوله : { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله } {[4886]} فليس يحتاج أن يوصف بمتصل ولا منقطع .

وللمفسرين هنا وجوه كثيرة ، وما ذكرناه أحقها وأبدعها .


[4883]:[14 / إبراهيم / 48].
[4884]:[39 / الزمر / 74].
[4885]:[7/ الأعراف / 188].
[4886]:[48 / الفتح / 27].