تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ} (107)

وقوله تعالى : ( خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ ) عن الحسن [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : ما دامت السموات والأرض تبدل وتبدل ، كقوله : ( ويوم تشقق السماء )[ الفرقان : 25 ] [ وقوله ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( يوم تطوى تطوى السماء كطي السجل للكتب )[ الأنبياء : 104 ] وقوله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات )[ إبراهيم : 48 ] ونحوه .

وقال بعضهم : قوله : ( ما دامت السموات والأرض ) إنما [ هو ][ ساقطة من م ] صلة الكلام ؛ كأنه قال : خالدين فيها إلا ما شاء ذلك . وقد يتكلم بمثل هذا على الصلة .

وقال بعضهم : يدوم لهم العذاب أبدا ما دامت السموات والأرض [ لأهل الدنيا ما داموا فيها لأنهما إنما يفنيان بعد فناء أهلهما ، وبعد إحياء الأهل والبعث ، فأخبر أن العذاب يدوم لهم كما تدوم لأهل الدنيا السماء والأرض ][ ساقطة من م ] وقال بعضهم : ( خالدين فيها ما دامت السموات والأرض ) أي ما دامت سماء الجنة وسماء النار وأرض النار لكن ذكر هذا لئلا يتوهم أهل الجنة والنار قبل هلاك سمائها وأرضها على ما يتوهم هلاك أهل الدنيا قبل هلاك سمائها وأرضها .

وقال بعضهم ( خالدين فيها ما دامت السموات والأرض ) أي ما دامت الأرض أرضا والسماء سماء يتكلمون على ما بعد من أوهامهم فناؤها أو على الصلة ؛ يقول أن الرجل لآخر : لا أكلمك ما دام الليل والنهار ، أي أبدا .

هذا تأويل قوله : ( ما دامت السموات والأرض ) .

وأما قوله ( إلا ما شاء ربك ) [ فقد ][ ساقطة من الأصل وم ] قال بعضهم : إن ناسا من أهل التوحيد يعذبون في النار على قدر ذنوبهم وخطاياهم ، ثم يخرجون منها .

وقد روي في ذلك ، روي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : «الاستثناء في الآيتين كلتيهما لأهل الجنة »[ البيهقي في البعث والنشور604 ] يعني الذين يخرجون من النار من أهل التوحيد ( إلا ما شاء ربك ) يقول : لم يشقوا شقاء من يخلد في النار قال في الذين سعدوا ( إلا ما شاء ربك ) هم أولئك الذين لم ينالوا من السعادة ما نال أهل الجنة الذين لم يدخلوا النار .

وفي بعضها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أما من يريد الله إخراجه من النار فإنهم يماتون إماتة » وقال في خبر آخر : «أما من يرد الله له الخلود فلا يخرج منها »[ بنحوه عن ابن عباس : البيهقي في البعث والنشور606 ] وأمثال هذا من الأخبار . فإن ثبت هذا فهو المعتمد .

وقال بعضهم : قوله ( إلا ما شاء ربك ) أي قد شاء لأهل النار الأبد والخلود ، وشاء لأهل الجنة ( عطاء غير محدود )[ هود : 108 ] أي غير منقطع . ويؤيد هذا التأويل ما ذكر في حرف ابن مسعود وأبي [ بن كعب ][ ساقطة من الأصل وم ] ( ما دامت السموات والأرض ) في الآيتين ، وفي الأولى : ( إلا ما شاء ربك ) وفي الأخرى : ( ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ ) وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود وأبي [ بن كعب ][ ساقطة من الأصل وم ] أنهما لم يذكرا[ في الأصل وم : يذكر ] الثنيا من أهل الجنة .

وأصل هذا ما ذكر أبو عبيد ؛ قال : الاستثناء الذي هو في أهل السعادة فهو المشكل لأنه يقال : كيف يستثنى ، وقد وعدهم خلود الأبد في الجنة . وقال في ذلك أقوالا لا أدري إلى من [ يسندها ؟ إلا أن لها مخارج ][ في الأصل : يسند إلا لها مخارجا ، وفي م : يسند إلا أن لها مخارجا ] في كلام العرب وشواهد في الآثار .

وإنما يتكلم الناس في هذا على معاني العربية ، والله أعلم ، بما أراد .

قال : فأحد هذه الوجوه في الاستثناء في ما يقال : كالرجل يوجب على نفسه الشيء ، ثم يقول : إن شاء الله ، وعزمه ضميره مع استثنائه أنه فاعله ، لا يريد غيره .

ومما[ في الأصل وم : وهما ] يقوي هذا المذهب قوله الله تعالى : ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم )[ الفتح : 27 ] فاستثنى ، وقد علم أنهم داخلوه البتة .

ومنه ما روي من حديث مكة عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : ( ولا تحل لقطتها إلا لمنشد )[ البخاري1833 ] وقال بعضهم : استثنى المنشد /246-ب/ ، وهي لا تحل له كما لا تحل لغيره .

والوجه الثاني : بأن يكون إلا في معنى سوى ؛ فإن العرب تفعل ذلك ، تقول : عليك ألف درهم من قبل كذا وكذا إلا الألف التي قبل ذلك ، أي سوى الألف التي قبل ذلك . فيكون المعنى على هذا أنه وعدهم خلود الأبد سوى ما أعد لهم من الزيادة في الكرامة والمنزلة التي لم يذكرها لهم .

ومما يقوي هذا التأويل ما روي عن نبي الله صلى الله عليه وسلم [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : قال الله تعالى : «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، بله الذي ما أطلعتم عليه . ثم قرأ : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين )الآية[ السجدة : 17 ][ مسلم : 2824 ] ألا ترى أن ههنا من الزيادة ما لم يطلعهم عليه ؟

والوجه الثالث : أن يكون الاستثناء من خلودهم في الجنة احتباسهم عنها ما بين البعث والحساب . وقد قيل ما ذكرنا أنه ما بين الموت والبعث ، وهو البرزخ الذي ذكر إلى أن يصيروا إلى الجنة ، ثم هو خلود الأبد ؛ يقول : فلم يغيبوا عن الجنة إلا بقد إقامتهم في الحساب ، ومما يقوي هذا المذهب ما قيل في قوله : ( ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون )[ المؤمنون : 100 ] قيل : ما بين الموت والبعث ، الله أعلم بذلك .