{ خَالِدِينَ } لابثين ومقيمين { فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ } يسمى هنا { مَا } الوقت .
قال ابن عباس : ما دامت السماوات والأرض من ابتدائها إلى وقت فنائها ، قال الضحّاك : ما دامت سماوات الجنة والنار وأرضهما ، وكل ما علاك فأظلَّك فهو سماء ، وكل ما استقرت عليه قدمك فهو أرض .
قال الحسين : أراد ما دامت الآخرة كدوام السماء والأرض في الدنيا قدر مدة بقائها ، قال أهل المعاني : العرب [ . . . ] في معنى التأبيد والخلود ، يقولون : هو باق ما [ .
. . ] وأطت الإبل ، وأينع الثمر ، وأورق الشجر ، ومجن الليل وسال سيل ، وطرق طارق ، وذرّ شارقن ونطق ناطق ، وما اختلف الليل والنهار ، وما اختلف الذرة والجمرة ، وما دام عسيب ، وما لألأت العفراء ونابها ، وما دامت السماوات والأرض ، فخاطبهم الله تعالى بما تعارفوا بينهم .
ثم استثنى فقال : { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } اختلف العلماء في هذين الاستثناءين ، من أهل الشقاوة أو من أهل السعادة ، فقال بعضهم هو في أهل التوحيد الذين يخرجهم الله من النار .
قال ابن عباس : وما شاء ربك أن يخرج أهل التوحيد منها ، وقال في قوله في وصف السعداء : ألا ما شاء ربك أن يخلدهم في الجنة ، وقال قتادة : في هذه الآية الله أعلم بها ، وذكر لنا أن ما أقوله سيصيبهم سفع من النار بذنوب اقترفوها ثم يخرجهم الله منها ، وعلى هذا القول يكون استثناء من غير جنسه لأن الأشقياء في الحقيقة هم الكافرون ، والسعداء في الحقيقة هم المؤمنون .
وقال أبو مجلز : هو جزاؤه إلاّ أن يشاء ربك أن يتجاوز عنهم ، ولا يدخلهم النار ، وفي وصف السعداء إلاّ ما شاء ربك بقاءهم في الجنة . قال ابن مسعود : خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ، لا يموتون فيها ولا يخرجون منها إلاّ ما شاء ربك . وهو أن يأمر النار أن تأكلهم وتفنيهم ثم يجدّد خلقهم .
قال : وليأتين على جهنم زمان تغلق أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقاباً ، وقال الشعبي : جهنم أسرع الدارين عمراً أسرعهما خراباً ، وقال ابن زيد : في هذه الآية أخبرنا بالذي أنشأ لأهل الجنة فقال : هذا غير مجذوذ ، ولم يخبرنا بالذي أنشأ لأهل النار ، وقال ابن كيسان : إلاّ ما شاء ربك من الفريقين من تعميرهم في الدنيا قبل مصيرهم إلى الجنة والنار ، وقيل : ما شاء ربك من احتباس الفريقين في البرزخ ما بين الموت والبعث .
الزجّاج : في هذه الآية أربعة أقوال : قولان منها لأهل اللغة ، وقولان لأهل المعاني ، فأمّا أحد قولي أهل اللغة فإنهم قالوا : { إِلاَّ } ههنا بمعنى سوى كما يقال في الكلام : ما كان معنا رجل إلاّ زيد ، ولي عليك ألف درهم إلاّ الألفان التي لي عليك ، فالمعنى ما دامت السماوات والأرض سوى ما شاء ربك من الخلود ، والقول الثاني : إنّه استثنى من الاخراج وهو لا يريد أن يخرجهم منها ، كما يقول في الكلام : أردت أن أفعل كذا إلاّ أن أشاء غيره ، وأنت مقيم على ذلك الفعل ، والمعنى أنّه لو شاء أن يخرجهم لأخرجهم ، ولكنّه أعلمهم أنهم خالدون فيها ، قال الزجّاج : هذان مذهبا أهل اللغة .
وأما قولا أهل المعاني ، فإنهم قالوا : خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلاّ ما شاء ربك من مقدار مواقفهم على رأس قبورهم للمحاسبة إلاّ ما شاء ربك من زيادة النعيم لأهل النعيم ، وزيادة العذاب لأهل الجحيم ، وقال الفراء : معناه : وقد شاء ربك خلود هؤلاء في النار وهؤلاء في الجنة ، و { إِلا } بمعنى الواو سائغ جائز في اللغة ، قال الله تعالى { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } [ البقرة : 150 ] ومعناه ، ولا الذين ظلموا ، وأنشدني أبو ثروان :
من كان أشرك في تفرّق فالج *** فلبونه جربت معاً وأغدت
إلاّ كناشرة الذي ضيعتم *** كالغصن في غلوائه المثبت
معناه ، لكن هنا كناشرة ، وهي كاسم قبيلة ، وقال : معناه كما شاء ربك كقوله { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } [ النساء : 22 ]معناه كما قد سلف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.