فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ} (107)

{ خالدين } لابثين { فيها } أي في النار { ما دامت السماوات والأرض } ما مصدرية أي مدة دوامهما في الدنيا وهذه المدة غير ما يزيده الله مما لا نهاية له ودامت هنا تامة لأنها بمعنى بقيت .

وقد اختلف العلماء في بيان معنى هذا التوقيت لأنه قد علم بالأدلة القطعية تأبيد عذاب الكفار في النار وعدم انقطاعه عنهم .

وثبت أيضا أن السماوات والأرض تذهب عند انقضاء أيام الدنيا فقالت طائفة : إن هذا الإخبار جار على ما كانت العرب تعتاده إذا أرادوا المبالغة في دوام الشيء قالوا هو دائم ما دامت السماوات الأرض ومنه قولهم لا آتيك ما جن الليل وما اختلف الليل والنهار وما تاح الحمام ونحو ذلك فيكون المعنى أنهم خالدون فيها أبدا لا انقطاع لذلك ولا انتهاء له .

وقيل إن المراد سماوات الآخرة وأرضها فقد ورد ما يدل على أن للآخرة سماوات وأرضا غير هذه الموجودة في الدنيا وهي دائمة بدوام دار الآخرة ، وأيضا لا بد لهم من موضع يقلهم وآخر يظلهم وهما أرض وسماء قال ابن عباس : لكل جنة أرض وسماء وروى نحوه عن السدي والحسن .

{ إلا ما شاء ربك } قد اختلف أهل العلم في معنى هذا الاستثناء على أقوال .

الأول : إنه من قوله ففي النار كأنه قال : إلا ما شاء ربك من تأخير قوم عن ذلك روى هذا عن أبي سعيد الخدري .

الثاني : إن الاستثناء إنما هو للعصاة من الموحدين وأنهم يخرجون بعد مدة من النار وعلى هذا يكون قوله سبحانه { فأما الذين شقوا } عاما في الكفرة والعصاة ويكون الاستثناء من خالدين ويكون ما بمعنى من ، وبهذا قال قتادة والضحاك وأبو سنان وغيرهم .

قال البيضاوي : هو استثناء من الخلود في النار لأن بعضهم وهم فساق الموحدين يخرجون منها وذلك كاف في صحة الاستثناء لأن زوال الحكم عن الكل يكفيه زواله عن البعض وهم المرادون بالاستثناء الثاني فإنهم مفارقون عن الجنة أيام عذابهم فإن التأييد من مبدإ معين ينتقص باعتبار الابتداء كما ينتقص باعتبار الانتهاء وهؤلاء وإن شقوا بعصيانهم فقد سعدوا بإيمانهم 1ه .

وقد ثبت بالأحاديث المتواترة تواترا يفيد العلم الضروري بأنه يخرج من النار أهل التوحيد فكان ذلك مخصصا لكل عموم .

الثالث : إن الاستثناء من الزفير والشهيق أي لهم فيها ذلك إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب غير الزفير والشهيق قاله ابن الأنباري .

الرابع : أن معنى الاستثناء أنهم خالدون فيها ما دامت السماوات والأرض لا يموتون فيها إلا ما شاء ربك ، فإنه يأمر النار فتأكلهم حتى يفنوا ثم يجدد الله خلقهم ، روي ذلك عن ابن مسعود .

الخامس : إن إلا بمعنى سوى ولكن والاستثناء منقطع والمعنى ما دامت السماوات والأرض سوى ما يتجاوز ذلك من الخلود كأنه ذكر في خلودهم ما ليس عند العرب أطول منه ثم زاد عليه الدوام الذي لا آخر له حكاه الزجاج .

السادس : ما روي عن الفراء وابن الأنباري وابن قتيبة من أن هذا لا ينافي عدم المشيئة كقولك والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك ونوقش هذا بأن معنى الآية الحكم بخلودهم إلا المدة التي شاء الله فالمشيئة قد حصلت جزما ، وقد حكى هذا القول الزجاج أيضا .

السابع : أن المعنى خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك من مقدار موقفهم في قبورهم وللحساب حكاه الزجاج أيضا .

الثامن : إن المعنى خالدين فيها إلا ما شاء ربك من زيادة النعيم لأهل النعيم وزيادة العذاب لأهل الجحيم حكاه الزجاج أيضا واختاره الحكيم الترمذي .

التاسع : أن إلا بمعنى الواو قاله الفراء والمعنى وما شاء ربك من الزيادة قال مكي : وهذا القول بعيد عند البصريين أن يكون إلا بمعنى الواو .

العاشر : إن إلا بمعنى الكاف ، والتقدير كما شاء ربك ومنه قوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } أي كما قد سلف .

الحادي عشر : أن هذا الاستثناء إنما هو على سبيل الاستثناء الذي ندب إليه الشارع في كل كلام فهو على حد قوله { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } قاله ابن عطية وروى نحو هذا عن أبي عبيد ، ولا يحتاج إلى أن يوصف بمتصل ولا منقطع .

وهذه الأقوال هي جملة ما وقفنا عليه من أقوال أهل العلم وقد نوقش بعضها بمناقشات ودفعت بدفوعات وقد أوضح الشوكاني ذلك في رسالة مستقلة جمعها سؤال ورد من بعض الأعلام قال السيوطي : وما تقدم من التأويل هو الذي ظهر وهو خال من التكلف والله أعلم بمراده انتهى .

قال في الجمل : أي التفسير للاستثناء وحاصله أن إلا في المعنى بمعنى حرف العطف والاستثناء منقطع فكأنه قيل { خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض } وزيادة على هذه المدة لا منتهى لها ، وقوله هو الذي ظهر أي ظهر له اختياره من ثلاثة عشر وجها للمفسرين في هذا المقام وهو وجه حسن لأن فيه التأبيد بما يعلمه المخاطبون بالمشاهدة ويعترفون به وهو دوام الدنيا .

وأما التأبيد بدوام سماوات الآخرة وأرضها كما قيل ففيه أنه غير معلوم للمخاطبين خصوصا من ينكر البعث ، وقد استوفى السمين الوجوه المذكورة ولنقتصر على نقل بعضها لكونه أقرب من غيره انتهى .

ثم ذكر الوجه الثاني والخامس والحادي عشر كما مر .

وقال ابن حجر الهيتمي المكي في الزواجر عن اقتراف الكبائر : دلت الآيات والأحاديث على أن عذاب الكفار في جهنم دائم مؤبد ، وما ورد مما يخالف ذلك يجب تأويله فمن ذلك قوله تعالى { خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد } فظاهره أن مدة عقابهم مساوية لمدة بقاء السماوات والأرض إلا ما شاء الله من هذه المدة فلا يكونون فيه خالدين فيها .

وقد أوله العلماء بنحو عشرين وجها يرجع بعضها إلى حكمة التقييد بمدة دوام السماوات والأرض وبعضها إلى حكمة الاستثناء ومعناه ، فمن الأول أن المراد سماوات الجنة وأرضها إذ السماء كل ما علاك والأرض كل ما استقرت عليه ، وكون الجنة والنار لهما سماء وأرض بهذا الاعتبار أمر قطعي لا يخفى على أحد فاندفع التنظير في هذا القول بأنه لا يجوز حمل ما في الآية عليه لأنه غير معروف للمخاطبين أو سماوات الدنيا وأرضها وأجرى ذلك على عادة العرب في الإخبار عن دوام الشيء وتأييده بذلك ونحوه كقولهم لا آتيك ما سال سيل وما جن ليل وما طما البحر ، وما قام جبل ، لأنه تعالى يخاطب العرب على عرفهم في كلامهم وهذه الألفاظ في عرفهم تفيد الأبد والدوام .

وعن ابن عباس أن جميع الأشياء المخلوقة أصلها من نور العرش وإن السماوات والأرض في الآخرة تردان إلى النور الذي خلقنا منه وهما دائمتان أبدا من نور العرش .

ثم هذا الجواب إنما يحتاج إليه بناء على أن مفهوم التقييد بدوام السماوات والأرض أنهم لا يبقون في النار إلا بقدر مدة دوامهما من حين إيجادها على إعدامها ، ومنع بعضهم ذلك بأن المفهوم من الآية أنهما متى كانتا دائمتين كان كونهم في النار باقيا ، وقضية ذلك أنه كلما حصل الشرط وهو دوامهما حصل المشروط وهو بقاؤهم في النار ولا يقتضي أنه إذا عدم الشرط يعدم المشروط .

فإذا قلنا ما دامتا بقي عقابهم ثم قلنا لكنهما دائمتان لزم دوام عقابهم أو لكنهما ما بقيتا لم يلزم عدم دوام عقابهم لا يقال إذا دام عقابهم بقيتا أو عدمتا فلا فائدة للتقييد بدوامهما لأنا نقول بل فيه أعظم الفوائد وهو دلالته على بقاء ذلك العذاب دهرا دائما طويلا لا يحيط العقل بقدر طوله وامتداده .

فأما أنه هل لذلك العذاب آخر أم لا فلذلك يحصل من أدلة أخرى ، وهي الآيات المصرحة بتأييد خلودهم المستلزم إنه لا آخر له ومن الثاني أنه استثناء من فيها لأنهم يخرجون من النار إلى الزمهرير وإلى شرب الحميم ثم يعودون فيها فهم خالدون فيها أبدا غلا في تلك الأوقات فإنها وإن كانت أوقات عذاب أيضا إلا أنهم ليسوا حينئذ فيها حقيقة أو أن ما لمن يعقل كأنكحوا ما طاب لكم من النساء وحينئذ فيكون استثناء لعصاة المؤمنين من ضمير خالدين متصلا بناء على شمول شقوا لهم أو منقطعا بناء على عدم شموله لهم وهو الأظهر أو أنه منقطع وإلا بمعنى سوى أي ما دامتا سوى ما شاء ربك زيادة على ذلك .

وبقيت أجوبة كثيرة أعرضت عنها لبعدها ولا ينافي ذلك ما رواه أحمد عن عبد الله ابن عمر وليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد ، وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا لأن في سنده من قالوا فيه أنه غير ثقة وصاحب أكاذيب كثيرة عظيمة .

نعم نقل غير واحد هذه المقالة عن ابن مسعود وأبي هريرة قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهو قول عمر ابن الخطاب وابن عباس وابن مسعود وأبي هريرة وأنس وإليه ذهب الحسن وحماد ابن سلمة وبه قال علي ابن طلحة الوالي وجماعة من المفسرين انتهى .

ويرد ما نقله عن الحسن قول غيره ، قال العلماء : قال ثابت : سألت الحسن عن هذا فأنكره والظاهر أن هؤلاء الذين ذكرهم لم يصح عنهم من ذلك شيء وعلى التنزل فمعنى كلامهم كما قاله العلماء ليس فيها أحد من عصاة المؤمنين أما مواضع الكفار فهي ممتلئة بهم لا يخرجون عنها أبدا كما ذكره الله في آيات كثيرة .

وفي تفسير الرازي قال قوم : إن عذاب الكفار منقطع وله نهاية ، واستدلوا بهذه الآية وب { لابثين فيها أحقابا } وبأن معصية الظالم متناهية فالعقاب عليها بما لا يتناهى ظلم انتهى .

والجواب عن الآية وقوله تعالى أحقابا لا يقتضي أن له نهاية لما مر أن العرب يعبرون به وبنحوه عن الدوام ولا ظلم في ذلك لأن الكافر كان عازما على الكفر ما دام حيا فعوقب دائما فهو لم يعاقب بالدائم إلا على دائم فلم يكن عذابه إلا جزاء وفاقا .

واعلم أن التقييد والاستثناء في أهل الجنة ليس المراد بهما ظاهرهما باتفاق الكل لقوله تعالى { غير مجذوذ } فيؤول بنظير ما مر ويكون المراد بما إذا جعلناها بمعنى { من } أهل الأعراف عصاة المؤمنين الذين لم يدخلوها بعد .

قال ابن زيد : أخبرنا الله تعالى بالذي يشاء لأهل الجنة فقال : عطاء غير مجذوذ أي غير منقطع ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار . انتهى كلام ابن حجر .

وفي الذي تحامل به على ابن تيمية نظر فقد أوضح البحث الحافظ بن القيم رحمه الله في حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح مستوفيا بما له وعليه فمن شاء فليرجع إليه .

أخرج أبو الشيخ عن قتادة أنه تلا هذه الآية فقال حدثنا أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يخرج قوم من النار ) ولا نقول كما قال أهل حروراء إن من دخلها بقي فيها .

وعن جابر قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقال : إن شاء الله أن يخرج أناسا من الذين شقوا من النار فيدخلهم الجنة فعل ، أخرجه ابن مردويه . وعن خالد ابن معدان في الآية قال : إنها في ذوي التوحيد من أهل القبلة وعن جابر ابن عبد الله أو أبي سعيد الخذري قال : هذه الآية قاضية على القرآن كله يقول حيث كان في القرآن خالدين فيها تأتي عليه ، وعن ابن عباس في قوله { إلا ما شاء ربك } قال : فقد شاء ربك أن يخلد هؤلاء في النار وأن يخلد هؤلاء في الجنة .

وعنه قال : استثنى الله من النار أن تأكلهم وعن السدي في الآية قال : فجاء بعد ذلك من مشيئة الله ما نسخها فأنزل بالمدينة { إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا } إلى آخر الآية ، فذهب الرجاء لأهل النار أن يخرجوا منها وأوجب لهم خلود الأبد .

وقوله وأما الذين سعدوا الآية ، فجاء بعد ذلك من مشيئة الله ما نسخها فأنزل بالمدينة { والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات- إلى قوله- ظلا ظليلا } فأوجب لهم خلود الأبد .

وعن أبي نضرة قال : ينتهي القرآن كله إلى هذه الآية يعني { إن ربك فعال لما يريد } وفي المناوي الكبير على الجامع الصغير ما نصه :

تنبيه : ما ذكرته آنفا من أن عذاب الكفار في جهنم دائم أبدا هو ما دلت عليه الآيات والأخبار وأطبق عليه جمهور الأمة سلفا وخلفا ووراء ذلك أقوال يجب تأويلها ، فمنها ما ذهب إليه الشيخ محيي الدين ابن عربي أنهم يعذبون فيها مدة ثم تنقلب عليهم وتبقى طبيعة نارية لهم يتلذذون بها لموافقتها لطبيعتهم ، فإن الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد بل بالتجاوز ، وقال فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ، ولم يقل وعيده بل قال ويتجاوز عن سيآتهم مع أنه توعد على ذلك وأثنى على إسماعيل بأنه كان صادق الوعد .

وقال في موضع آخر : إن أهل النار إذا أدخلوها لا يزالون خائفين مترقبين أن يخرجوا منها فإذا أغلقت عليهم أبوابها اطمأنوا لأنها خلقت على وفق طباعهم قال الحافظ ابن القيم : وهذا في طرف أي جهة ، والمعتزلة القائلون بأنه يجب على الله تعذيب من توعده بالعذاب في طرف آخر ، فأولئك عندهم لا ينجو من النار من دخلها أبدا ، والقولان مخالفان لما علم بالاضطرار أن الرسول جاء به وأخبر به عن الله .

ومنها قول جمع النار ، تفنى فإنه تعالى جعل لها مدا تنتهي إليه ثم يزول عذابها لهذه الآية وقوله تعالى { لابثين فيها أحقابا } قال هؤلاء : وليس في القرآن دلالة على بقاء النار وعدم فنائها إنما الذي فيه أن الكفار خالدون فيها وإنهم غير خارجين منها وإنه لا يفتر عنهم عذابها وإنهم لا يموتون وإن عذابهم فيها مقيم وإنه غرام لازم وهذا لا نزاع فيه من الصحابة والتابعين إنما النزاع في أمر آخر وهو أن النار أبدية أو مما كتب عليه الفناء ، وأما كون الكفار لا يخرجون منها ولا يدخلون الجنة فلم يختلف فيه أحد من أهل السنة .

وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول بفنائها عن جمع من الصحابة والتابعين وقد نصر هذا القول ابن القيم كشيخه ابن تيمية وهو مذهب متروك وقول مهجور لا يصار إليه ولا يعول عليه ، وقد أول ذلك كله الجمهور وأجابوا عن الآيات المذكورة بنحو عشرين وجها وعما نقل أولئك الصحب بأن معناه ليس فيها أحد من عصاة المؤمنين أما مواضع الكفار فهي ممتلئة منهم لا يخرجون عنها أبدا كما ذكر الله في آيات كثيرة ، انتهى كلامه .

قلت وبالله التوفيق : أخرج ابن المنذر عن عمر قال : لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه ، وروى عبد ابن حميد بإسناد رجالة ثقات عن عمر نحوه . وأخرج بن راهويه عن أبي هريرة قال : سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد وقرأ { فأما الذين شقوا } .

وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن إبراهيم قال : ما في القرآن آية أرجى لأهل النار من هذه الآية { خالدين فيها } الخ . قال : وقال ابن مسعود : ليأتين عليها زمان تخفق أبوابها ، وروى أحمد عن ابن عمرو ابن العاص ، ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وحكاه البغوي وغيره عن أبي هريرة وغيره وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال : جهنم أسرع الدارين عمرانا وأسرعهما خرابا ، وعن قتادة قال : الله أعلم بتثنيته على ما وقعت . وقد روى عن جماعة من السلف مثل ما ذكره ابن مسعود وعمر وأبو هريرة كابن عباس وابن عمر وجابر وأبي سعيد من الصحابة وعن أبي مجلز وعبد الرحمان ابن زيد ابن أسلم وغيرهما من التابعين وورد ذلك في حديث في معجم الطبراني الكبير عن أبي أمامة صدى ابن عجلان الباهلي وإسناده ضعيف .

وقد ثبت بذلك صحة ما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية عن هؤلاء وانتصره الحافظ ابن القيم ووضح وهن ما قاله ابن حجر والمناوي عليهما وإن كان لا شك في أن الراجح هو الأول . ولقد تكلم صاحب الكشاف في هذا الموضع بما كان له في تركه سعة وفي السكوت عنه غنى فقال :

ولا يخدعنك قول المجبرة أن المراد بالاستثناء خروج أهل الكبائر من النار ، فإن الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم وما ظنك بقوم نبذوا كتاب الله لما روى لهم بعض النوابت عن ابن عمرو : ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد .

ثم قال : وأقول ما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ما يشغله عن تسيير هذا الحديث1ه .

قال الشوكاني : وأقول أما الطعن على ما قال بخروج أهل الكبائر من النار فالقائل بذلك يا مسكين رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صح عنه في دواوين الإسلام التي هي دفاتر السنة المطهرة وكما صح عنه في غيرها من طريق جماعة من الصحابة يبلغون عدد التواتر ، فما لك والطعن على قوم عرفوا ما جهلته وعملوا بما أنت عنه في مسافة بعيدة وأي مانع من حمل الاستثناء على هذا الذي جاءت به الأدلة الصحيحة الكثيرة كما ذهب إلى ذلك وقال به جمهور العلماء من السلف والخلف .

وأما ما ظننته من أن الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم فلا مناداة ولا مخالفة وأي مانع من حمل الاستثناء في الموضعين على العصاة من هذه الأمة فالاستثناء الأول يحمل على معنى إلا ما شاء ربك من خروج العصاة من هذه الأمة من النار والاستثناء الثاني يحمل على معنى إلا ما شاء ربك من عدم خلودهم في الجنة كما يخلد غيرهم وذلك لتأخر دخولهم إليها مقدار المدة التي لبثوا فيها في النار وقد قال بهذا من أهل العلم من قدمنا ذكره وبه قال ابن عباس حبر الأمة .

وأما الطعن على صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحافظ سنته وعابد الصحابة عبد الله ابن عمرو رضي الله تعالى عنه فإلى أين يا محمود أتدري ما صنعت وفي أي واد وقعت وعلى أي جنب سقطت ومن أنت حتى تصعد على هذا المكان وتتناول نجوم السماء بيدك القصيرة ورجلك العرجاء أما كان لك في مكسري طلبتك من أهل النحو واللغة ما يردك عن الدخول فيما لا تعرف والتكلم بما لا تدري فيالله العجب ما يفعل القصور في علم الرواية ولا أوقفها حيث أوقفها الله سبحانه .