الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ} (107)

قوله : { خالدين فيها مادامت السموات والأرض }[ 107 ] : أي : وقت دوام ذلك{[33199]} . ومعنى الآية : أبدا ، لأن العرب تقول : لا أكلمك ما دامت السماوات والأرض ، وما اختلف الليل والنهار/ . فخوطبوا على ما يعلمون ، ويفهمون بينهم{[33200]} .

وقوله : ( { إلا ما شاء ربك } ){[33201]} اختلف{[33202]} في ذلك اختلافا شديدا .

1 . فمن العلماء من قال : ( إلا ) للاستثناء{[33203]} ، استثنى به من الزمان ، ( فما ) على بابها{[33204]} : لما لا يعقل .

2 . ومنهم من قال : ( إلا ) بمعنى : ( سوى ){[33205]} ( وما ) على بابها للزمان ، فهي في زيادة الخلود{[33206]} .

3 . ومنهم من قال : ( إلا ) على بابها ، و( ما ){[33207]} بمعنى ( من ) : جاءت لمن يعقل ، فهي{[33208]} استثناء من الأشخاص والمعذبين الذين يخرجون من النار م المؤمنين . وسنذكر قول من بلغنا ( قوله ){[33209]} من العلماء في ذلك .

قال قتادة : ( الله{[33210]} أعلم بثَنِيَّاه{[33211]} . ذكر لنا أن ناسا يصيبهم سفع{[33212]} من النار بذنوب أصابوها ، ثم يدخلهم الله الجنة برحمته يسمون : الجهنميون ){[33213]} . فيكون هذا الاستثناء في أهل التوحيد{[33214]} .

( وقيل : المعنى : إلا ما شاء ربك أن يتجاوز عنه . وذلك في أهل التوحيد ){[33215]} فهو استثناء من الداخلين{[33216]} النار ، لا من الخلود . ( فالا ) على هذين القولين للاستثناء ، و( ما ) بمعنى ( من ) : استثنى{[33217]} خروج من يدخل النار من المؤمنين .

وقيل : ( عنى بذلك أهل النار ، و{[33218]}كل من دخلها ){[33219]} .

وروي عن ابن مسعود رضي الله عليه أنه قال : ( ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ، ليس فيها أحد ){[33220]} .

وقال الشعبي : ( جهنم أسرع الدارين عمرانا ، وأسرعها خرابا ){[33221]} . وهذان القولان شاذان .

وقال{[33222]} ابن زيد : هي مشيئته{[33223]} في الزيادة من العذاب ، أو في النقصان ، وقد تبين لنا معنى تبيانه{[33224]} في أهل الجنة بقوله : { عطاء غير مجذوذ } : إنه في الزيادة ، ولم يبين لنا ذلك في أهل النار{[33225]} . وهو{[33226]} محتمل للزيادة والنقص من العذاب .

وقوله تعالى : { فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا }{[33227]} ، يدل على أنه في الزيادة . وقال بعض ( أهل ){[33228]} العربية : وهو استثناء استثناه ، ويفعله ، كقولك : ( لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك ، وعزمك على ضربه ){[33229]} وقال بعضهم : ( إلا ) هنا : بمعنى{[33230]} سوى . والمعنى : سوى ما شاء الله من الزيادة في الخلود ، وهو اختيار أبي بكر{[33231]} . قال : لأن الله تعالى لا خلف لوعده ،


[33199]:انظر هذا التوجيه في: إعراب النحاس 2/303.
[33200]:انظر هذا المعنى في: تأويل مشكل القرآن 76، وجامع البيان 15/481.
[33201]:ما بين القوسين ساقط من ط.
[33202]:ط: مطموس.
[33203]:انظر: بيان ذلك في إعراب النحاس 2/303.
[33204]:يقصد المؤلف باصطلاح (ما على بابها)، كونها الأصل في استعمالها، وأنها تكون لما لا يعقل.
[33205]:وهو قول الفراء في: معانيه 2/28. وانظر: تأويل مشكل القرآن 77، والمحرر 9/126.
[33206]:ط: الحود.
[33207]:ق: وبما.
[33208]:ق: ففي.
[33209]:ساقطة من ق.
[33210]:ق: والله.
[33211]:ق: تبيانه. والثنيا، والثنية والمثنوية: كلها تستعمل للاستثناء. انظر: اللسان: ثني.
[33212]:ق: ستفع. سفعته النار والشمس سفعا، أي: لفحته لفحا يسيرا، فغيرت لون بشرته، وسودته. انظر: اللسان: سفع.
[33213]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/482.
[33214]:وهو قول أبي سنان، وخالد بن معدان، وقتادة، والضحاك في: جامع البيان 15/482-484.
[33215]:ما بين القوسين ساقط من ط.
[33216]:ط: الدخلين.
[33217]:ق: الاستثناء.
[33218]:ساقط من ق.
[33219]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/483.
[33220]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/483.
[33221]:انظر المصدر السابق.
[33222]:انظر هذا القول في: المصدر نفسه.
[33223]:ق: مثية.
[33224]:ط: تبياه.
[33225]:وهو قول ابن زيد في جامع البيان 15/484.
[33226]:ط: فهو.
[33227]:النبأ: 30.
[33228]:ساقط من ق.
[33229]:وهو قول الفراء في: معانيه 2/28، وانظر: جامع البيان 15/487-488.
[33230]:ق: فلا معنا.
[33231]:هو أبو بكر شعبة بن عباس بن سالم الأسدي الكوفي، حدث عن عاصم، وروى عنه: يعقوب، وسواه (ت193 هـ) انظر: الغاية 1/325.