{ مَا دَامَتِ السماوات والأرض } فيه وجهان ، أحدهما : أن تراد سموات الآخرة وأرضها وهي دائمة مخلوقة للأبد . والدليل على أن لها سموات وأرضاً قوله تعالى : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض } [ إبراهيم : 48 ] وقوله : { وَأَوْرَثَنَا الأرض نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة حَيْثُ نَشَاء } [ الزمر : 74 ] ولأنه لا بدّ لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلهم : إمّا سماء يخلقها الله ، أو يظلهم العرش ، وكل ما أظلك فهو سماء . والثاني أن يكون عبارة عن التأييد ونفي الانقطاع . كقول العرب : ما دام تعار ، وما أقام ثبير ، وما لاح كوكب ، وغير ذلك من كلمات التأبيد .
فإن قلت : فما معنى الاستثناء في قوله : { إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ } وقدثبت خلود أهل الجنة والنار في الأبد من غير استثناء ؟ قلت : هو استثناء من الخلود في عذاب النار ، ومن الخلود في نعيم الجنة : وذلك أن أهل النار لا يخلدون في عذاب النار وحده ، بل يعذبون بالزمهرير وبأنواع من العذاب سوى عذاب النار ، وبما هو أغلظ منها كلها وهو سخط الله عليهم وخسؤه لهم وإهانته إياهم . وكذلك أهل الجنة لهم سوى الجنة ما هو أكبر منها وأجل موقعاً منهم ، وهو رضوان الله ، كما قال : { وَعَدَ الله المؤمنين والمؤمنات جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الانهار خالدين فِيهَا ومساكن طَيّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ ورضوان مّنَ الله } [ التوبة : 72 ] ولهم ما يتفضل الله به عليهم سوى ثواب الجنة مما لا يعرف كنهه إلا هو ، فهو المراد بالاستثناء . والدليل عليه قوله : { عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [ هود : 108 ] ومعنى قوله في مقابلته : { إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ } أنه يفعل بأهل النار ما يريد من العذاب ، كما يعطي أهل الجنة عطاءه الذي لا انقطاع له ، فتأمّله فإنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً ، ولا يخدعنك عنه قول المجبرة . إنّ المراد بالاستثناء خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة ، فإنّ الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم . وما ظنك بقوم نبذوا كتاب الله لما روى لهم بعض النوابت عن عبد الله بن عمرو بن العاص : ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد ؛ وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقاباً ، وقد بلغني أن من الضلال من اغترّ بهذا الحديث ، فاعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار . وهذا ونحوه والعياذ بالله من الخذلان المبين ، زادنا الله هداية إلى الحق ومعرفة بكتابه ، وتنبيهاً على أن نعقل عنه ، ولئن صح هذا عن ابن العاص ، فمعناه أنهم يخرجون من حرّ النار إلى برد الزمهرير فذلك خلوّ جهنم وصفق أبوابها ، وأقول : ما كان لابن عمرو في سيفيه ، ومقاتلته بهما علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ما يشغله عن تسيير هذا الحديث .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.