النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ} (107)

{ خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلى ما شاء ربك } فيه ثمانية تأويلات :

أحدها : خالدين فيها ما دامت سماء الدنيا وأرضها إلا ما شاء ربك من الزيادة عليها بعد فناء مدتها حكاه ابن عيسى .

الثاني : ما دامت سماوات الآخرة وأرضها إلا ما شاء ربك من قدر وقوفهم في القيامة ، قاله بعض المتأخرين .

الثالث : ما دامت السماوات والأرض ، أي مدة لبثهم في الدنيا ، قاله ابن قتيبة .

الرابع : خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك من أهل التوحيد أن يخرجهم منها بعد إدخالهم إليها ، قاله قتادة ، فيكونون أشقياء في النار سعداء في الجنة ، حكاه الضحاك عن ابن عباس ، وروى يزيد بن أبي حبيب عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدخل ناس جهنم حتى إذا صاروا كالحمحمة أخرجوا منها وأدخلوا الجنة فيقال هؤلاء الجهنميون "

الخامس : إلا ما شاء من أهل التوحيد أن لا يدخلهم إليها ، قاله أبو نضرة يرويه مأثوراً عن النبي صلى الله عليه وسلم .

السادس : إلا ما شاء ربك من كل من دخل النار من موحد ومشرك أن يخرجه منها إذا شاء ، قاله ابن عباس .

السابع : أن الاستثناء راجع إلى قولهم : { لهم فيها زفير وشهيق } إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي ليست بزفير ولا شهيق مما لم يسم ولم يوصف ومما قد سمّي ووصف ، ثم استأنف { ما دامت السماوات والأرض } حكاه ابن الأنباري .

الثامن : أن الاستثناء واقع على معنى لو شاء ربك أن لا يخلدهم لفعل ولكن الذي يريده ويشاؤه ويحكم به تخليدُهم وفي تقدير خلودهم بمدة السماوات والأرض وجهان :

أحدهما : أنها سماوات الدنيا وأرضها ، ولئن كانت فانية فهي عند العرب كالباقية على الأبد فذكر ذلك على عادتهم وعرفهم كما قال زهير :

ألا لا أرى على الحوادث باقيا *** ولا خالداً إلا الجبال الرواسيا

والوجه الثاني : أنها سماوات الآخرة وأرضها لبقائها على الأبد .