محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{۞تُرۡجِي مَن تَشَآءُ مِنۡهُنَّ وَتُـٔۡوِيٓ إِلَيۡكَ مَن تَشَآءُۖ وَمَنِ ٱبۡتَغَيۡتَ مِمَّنۡ عَزَلۡتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكَۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن تَقَرَّ أَعۡيُنُهُنَّ وَلَا يَحۡزَنَّ وَيَرۡضَيۡنَ بِمَآ ءَاتَيۡتَهُنَّ كُلُّهُنَّۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمٗا} (51)

{ تُرْجِي } بهمز وغير همز ، أي تترك وتؤخر { مَن تَشَاء مِنْهُنَّ } أي من هؤلاء النساء اللاتي أحللناهن لك ، فلا تتزوج بهن { وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء } أي تضم من تشاء منهن بالتزوج { وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ } أي اخترت تزوجها بعد إرجائها { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ } أي في أن تضمها إليك . ومن رأى بعضهم أن الضمير في { منهن } يعود إلى الواهبات . قال الشعبي : كن نساء وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم : فدخل ببعضهن وأرجأ بعضهن . لم ينكحن بعده . منهن أم شريك . واستؤنس بحديث عائشة عند أحمد ؛ أنها كانت تعير النساء اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول : ( ألا تستحيي المرأة أن تعرض نفسها بغير صداق ؟ فلما أنزل الله { تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ } الآية قالت : إني أرى ربك يسارع لك في هواك ) . ورواه البخاري {[6206]} أيضا كما تقدم . وذهب آخرون إلى أن معنى الآية : تطلق وتخلي سبيل من شئت من نسائك ، وتمسك من شئت منهن فلا تطلق . وعن قتادة ؛ ( أنها في القسم ، وان له أن يقسم لمن شاء ، ويدعه لمن شاء ) . مع هذا فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع القسم . وقد احتج بالآية من ذهب إلى أن القسم لم يكن واجبا عليه صلى الله عليه وسلم . والتحقيق أن الآية عامة في ذلك كله . وأن ما روي مما ذكر ، فمن باب الاكتفاء من العام على بعض أفراده ، أو من رأى ذهب إليه قائله . وقوله تعالى : { ذَلِكَ } أي ما ذكر من تفويض الأمر إلى مشيئتك ورفع الحرج عنك فيه { أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ } أي تطيب أنفسهن ، إن علمن أن ذلك من الله تعالى { وَلَا يَحْزَنَّ } لمخالفة الإرجاء { وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ } أي لأنه حكم ، كلهن فيه سواء ، فإن سويت بينهن وجدن ذلك تفضلا . وإلا علمن أنه بحكم الله تعالى . فتطمئن به نفوسهن { وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ } أي من الميل إلى البعض منهن دون البعض بالمحبة { وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا } أي بذات الصدور { حَلِيمًا } أي ذا حلم عن عباده فيعفو ويغفر . وروى الإمام أحمد {[6207]} وأهل ( السنن ) {[6208]} عن عائشة ؛ ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل . ثم يقول : اللهم ! هذا فعلي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) . يعني القلب .


[6206]:أخرجه البخاري في: 65 كتاب التفسير، 33 – سورة الأحزاب، 7 باب قوله: {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء}، حديث رقم 2033 عن عائشة.
[6207]:أخرجه في المسند بالصفحة 44 من الجزء السادس (طبعة الحلبي).
[6208]:أخرجه أبو داود في: 12 – كتاب النكاح، 38 – باب في القسم بين النساء، حديث رقم 2134. وأخرجه الترمذي في: 9– كتاب النكاح، 42 – باب ما جاء في التسوية بين الضرائر، حديث رقم 1140. وأخرجه النسائي في: 36 – كتاب عشرة النساء، 2 – باب ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض. وأخرجه ابن ماجة في: 9 – كتاب النكاح، 47 – باب القسمة بين النساء، حديث رقم 1921 (طبعتنا).