محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسۡـَٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡـَٔلُواْ عَنۡهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهَاۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (101)

[ 101 ] { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم ( 101 ) } .

{ يا أيها الذين آمنوا لا تسالوا } أي : نبيكم { عن أشياء إن تبد } أي : تظهر { لكم تسؤكم } لما فيها من المشقة { وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم } أي : وإن تسألوا عن أشياء نزل القرآن بها مجملة ، فتطلبوا بيانها ، تبين لكم حينئذ لاحتياجكم إليها . هذا وجه في الآية . وعليه ف { حين } ظرف ل { تسألوا } .

وثمت وجه آخر : وهو جعل { حين } ظرفا ل { تبد } ، والمعنى : وإن تسألوا عنها . تبد لكم حين ينزل القرآن .

قال ابن القيم : والمراد ب ( النزول ) زمنه المتصل به ، لا الوقت المقارن للنزول . وكأن في هذا إذنا لهم في السؤال عن تفصيل المنزل ومعرفته بعد إنزاله . ففيه رفع لتوهم المنع من السؤال عن الأشياء مطلقا . ثم قال : وثمت قول ثان في قوله تعالى : { وإن تسألوا عنها . . . } إلخ ، وهو أنه من باب التهديد والتحذير ، أي : ما سألتم عنها في وقت نزول الوحي جاءكم / بيان ما سألتم عنه بما يسوءكم : والمعنى : لا تتعرضوا للسؤال عما يسوءكم بيانه ، وإن تعرضتم له في زمن الوحي أبدي لكم . انتهى .

وقال بعضهم : إنه تعالى ، بين أولا أن تلك الأشياء- التي سألوا عنها- إن أبديت لهم ساءتهم . ثم بين ثانيا أنهم إن سألوا عنها أبديت لهم . فكان حاصل الكلام إن سألوا عنها أبديت لهم ، وإن أبديت لهم ساءتهم ، فيلزم من مجموع المقدمتين أنهم ، إن سألوا عنها ، ظهر لهم ما يسوءهم ولا يسرهم .

قال العلامة أبو السعود : قوله تعالى : { إن تبد لكم تسؤكم } صفة ل { أشياء } داعية إلى الانتهاء عن السؤال عنها . وحيث كانت المساءة في هذه الشرطية معلقة بإبدائها ، لا بالسؤال عنها ، عقبت بشرطية أخرى ناطقة باستلزام السؤال عنها لإبدائها الموجب للمحذور قطعا . فقيل : { وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم } . أي : تلك الأشياء الموجبة للمساءة بالوحي ، كما ينبئ عنه تقييد السؤال بحين التنزيل . والمراد بها : ما يشق عليهم ويغمهم من التكاليف الصعبة التي لا يطيقون بها ، والأسرار الخفية التي يفتضحون بظهورها ، ونحو ذلك مما لا خير فيه . فكما أن السؤال عن الأمور الواقعة مستتبع لإبدائها ، كذلك السؤال عن تلك التكاليف مستتبع لإيجابها عليهم بطريق التشديد ، لإساءتهم الأدب واجترائهم على المسألة والمراجعة ، وتجاوزهم عما يليق بشأنهم من الاستسلام لأمر الله عز وجل ، من غير بحث فيه ولا تعرض لكيفيته وكميته . أي : لا تكثروا مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما لا يعنيكم من نحو تكاليف شاقة عليكم – إن أفتاكم بها وكلفكم إياها حسبما أوحي إليه- لم تطيقوا بها ، ونحو بعض أمور مستورة تكرهون بروزها .

{ عفا الله عنها } أي : عن تلك الأشياء حين لم ينزل فيها القرآن ولم يوجبها عليكم توسعة عليكم . أو : عفا الله عن بيانها لئلا يسوءكم بيانها . فالجملة في موضع جر صفة أخرى ل { أشياء } . أو المعنى : عفا الله عن مسائلكم السالفة ، وتجاوز عن عقوبتكم الأخوية بمسائلكم ، فلا تعودوا إلى مثلها . فالجملة حينئذ مستأنفة مبينة لأن نهيهم عنها لم يكن لمجرد/ صيانتهم عن المساءلة . بل لأنها في نفسها معصية مستتبعة للمؤاخذة وقد عفا عنها . وفيه من حثهم على الجد في الانتهاء عنها ما لا يخفى { والله غفور حليم } اعتراض تذييلي مقرر لعفوه تعالى ، أي : مبالغ في مغفرة الذنوب . ولذا عفا عنكم ولم يؤاخذكم بما فرط منكم .