تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{أَهُمۡ يَقۡسِمُونَ رَحۡمَتَ رَبِّكَۚ نَحۡنُ قَسَمۡنَا بَيۡنَهُم مَّعِيشَتَهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَرَفَعۡنَا بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضٗا سُخۡرِيّٗاۗ وَرَحۡمَتُ رَبِّكَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ} (32)

رحمة ربك : النبوة .

سخريا : بمعنى التسخير .

وهنا يردّ الله تعالى عليهم ويبين لهم جهلهم بأن العظمةَ ليست بكثرة المال ولا بالجاه ، وأن النبوة منصبٌ إلهي وشرفٌ من الله يعطيها من يستحقها ، وليست بأيديهم ولا تحت رغبتهم ولذلك قال :

{ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ }

كيف جهِلوا قَدْرَ أنفسِهم حتى يتحكموا في النبوة ويعطوها من يشاؤون ! الله تعالى قَسَم المعيشة بين الناس وفضّل بعضهم على بعض في الرزق والجاه ، ليتخذَ بعضُهم من بعض أعواناً يسخّرونهم في قضاء حوائجهم ، وليتعاونوا على هذه الحياة .

{ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }

والنبوّة وما يتبعها من سعادة الدارَين خيرٌ من كل ما لديهم في هذه الحياة الدنيا . فهذا التفاوت في شئون الدنيا هو الذي يتم به نظام المجتمع ، فلولاه لما صرَّف بعضُهم بعضا في حوائجه ، ولا تعاونوا في تسهيل وسائل العيش .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{أَهُمۡ يَقۡسِمُونَ رَحۡمَتَ رَبِّكَۚ نَحۡنُ قَسَمۡنَا بَيۡنَهُم مَّعِيشَتَهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَرَفَعۡنَا بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضٗا سُخۡرِيّٗاۗ وَرَحۡمَتُ رَبِّكَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ} (32)

قوله : { أهم يقسمون رحمت ربّك } الاستفهام للإنكار . وذلك رد لاعتراض المشركين على بعث محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله وحده الذي يصطفي من عباده من يشاء لحمل الرسالة ، وليكون للناس بشيرا ونذيرا ، و الله جل وعلا أعلم حيث يجعل رسالته ، فليس ذلك من شأن هؤلاء المشركين الجاهلين .

قوله : { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدّنيا } أي كما قسم الله رحمته وكرامته بين من شاء من عباده الأخيار ليكونوا نبيين ومرسلين كذلك قسم الله بين العباد معيشتهم في حياتهم الدنيا من الأرزاق والأموال ومختلف أنواع النعم ، فيكون فيهم الكيّس والخامل ، والغبي والفطن ، والعيي واللّسن ، والأغنياء والفقراء . فكان الناس بذلك مختلفين في الطاقات والقدرات ، والمواهب والاستعدادات ، ليكونوا بذلك متفاوتين في الدرجات . وهو قوله سبحانه : { ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات } أي فاضل الله بين عباده فجعل بعضهم أفضل من بعض في حاجات الدنيا وفي مظاهرها ومتاعها ، كالرزق والرياسة والعلم والفهم ، فهم في ذلك كله متفاوتون متباينون ، فإن فيهم الغني والفقير ، والذكي والغبي ، والعالم والجاهل ، والناشط والعاجز ، ، والشجاع والخائر . وفيهم ذو الهمة المترفع والصفيق المتبلّد . وهكذا الناس جميعا مختلفون في جبلاتهم وطبائعهم واستعدادتهم . وذلك يفضي بالضرورة إلى الاختلاف والتفاوت في أرزاق العباد ، وفي درجاتهم في الحياة الدنيا { ليتّخذ بعضهم بعضا سخريّا } أي ليستخدم بعضهم بعضا ، فيستخدم الغني الفقير ، والرئيس المرءوس ، والقوي الضعيف ، والعالم الجاهل ، والذكي من دونه من أولي الغباوة وهوان العقل .

قوله : { ورحمت ربّك خير مما يجمعون } المراد بالرحمة ما كتبه الله لعباده الصالحين من وجوه النعم وعظيم الجزاء في الآخرة . لا جرم أن ذلك خير مما يجمعه الغافلون من الأموال وأوجه المتاع في حياتهم الدنيا .