تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

ذلولا : سهلة منقادة يسهل عليكم السير فيها ، والانتفاع بها وبما فيها .

مناكبها : طرقها ونواحيها .

النشور : البعث بعد الموت .

ثم عدّد بعضَ ما أنعم علينا ، فذكر أنه عبَّدَ لنا هذه الأرضَ وذلّلها ، وهيّأها لنا ، فيها منافعُ عديدةٌ من زروع وثمارٍ ومعادن ، وما أعظمَها من نِعم . ثم قال : { فامشوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النشور }

تمتعوا بهذهِ النعمِ ، ثم إلى ربّكم مرجُكم يومَ القيامة .

ففي الآية الكريمة حثٌّ على العمل ، والكسب في التجارة والزراعة والصناعة ، وجميع أنواع العمل ، وفي الحديث : أن عمر بن الخطاب مرّ على قوم فقال لهم : من أنتم ؟ فقالوا : المتوكّلون ، قال : بل أنتم المتواكلون ، إنما المتوكلُ رجلٌ ألقى حَبَّه في بطن الأرضِ وتوكّل على الله عز وجل .

وجاء في الأثر : « إن الله يحبُّ العبدَ المؤمنَ المحترف » .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

{ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً } سهلة لا يمتنع المشي فيها بالحزونة ، { فامشوا في مناكبها } قال ابن عباس وقتادة : في جبالها ، وقال الضحاك : في آكامها . وقال مجاهد : في طرقها وفجاجها . قال الحسن : في سبلها . وقال الكلبي : في أطرافها . وقال مقاتل : في نواحيها . وقال الفراء : في جوانبها ، والأصل في الكلمة الجانب ، ومنه منكب الرجل ، والريح النكباء ، وتنكب فلان . { وكلوا من رزقه } مما خلقه رزقاً لكم في الأرض . { وإليه النشور } أي : وإليه تبعثون من قبوركم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا}: أثبتها بالجبال لئلا تزول بأهلها،

{فامشوا} يعني فمروا {في مناكبها} يعني في نواحيها وجوانبها آمنين كيف شئتم، {وكلوا من رزقه} الحلال، {وإليه النشور} يقول: إلى الله تبعثون من قبوركم أحياء بعد الموت...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"هُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً "يقول تعالى ذكره: الله الذي جعل لكم الأرض ذَلُولاً سْهلاً، سَهّلها لكم فامْشُوا فِي مَناكِبها.

واختلف أهل العلم في معنى "مَناكِبها"؛

فقال بعضهم: مناكبها: جبالها...

وقال آخرون: مَناكِبها: أطرافها ونواحيها... عن مجاهد، قوله: "فامْشُوا فِي مَناكِبها" قال: طرقها وفجاجها.

وأولى القولين عندي بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فامشوا في نواحيها وجوانبها، وذلك أن نواحيها نظير مناكب الإنسان التي هي من أطرافه.

وقوله: "وكُلُوا مِنْ رزْقِهِ" يقول: وكلوا من رزق الله الذي أخرجه لكم من مناكب الأرض.

"وَإلَيْهِ النّشُورُ" يقول تعالى ذكره: وإلى الله نشركم من قبوركم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

وإذا ذلل لكم الأرض لتمشوا في مناكبها، وتأكلوا من رزقه، فلا يجوز أن يكون خلقه عبثا باطلا، فلا بد من الرجوع إليه ليسألكم عم له خلق؟ أو فيم خلق؟ أو لم تقوّلوا؟ وإذا ثبت أنه لم يخلقها عبثا باطلا، وإنما خلقت للمحنة فلا بد من أن ينشروا إليه، ليخبروه عما بلاهم به وامتحنهم.

ويحتمل أن يكون هذا صلة قوله: {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} [الآية: 3]. فأمر هناك بالنظر مرة بعد مرة: هل ترى فيه تفاوتا أو فطورا؟ ليتبين عنده إذا لم ير فيه تفاوتا ولا فطورا، وحدانية الرب وقدرته وسلطانه وحكمته، فأمرهم أيضا بالمسير في الأرض والمشي في مناكبها، وهي أطرافها، هل يرون فيها فطورا وتفاوتا؟ فإذا لم يروا فيها شيئا من ذلك، تقرر عندهم جميع ما ذكرنا من الحكمة هناك.

ولأنه ذكّرهم لطيف تدبيره في خلق الأرض وما له على الخلق من عظيم النعمة في حقه، وهو أنه قدر لهم فيها أرزاقهم إلى حيث يمشون فيها، وهيأ لهم الرزق هناك، لا يحتمل أن يذلل لهم الأرض، فيضربوا فيها حين شاءوا، ويستخرجوا منها أقواتهم أينما تصرّفوا، عبثا باطلا. بل لا بد أن يستأديكم شكر ما أنعم عليكم.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وهذه الآية تعديد نعم في تقريب التصرف للناس، وفي التمتع في رزق الله تعالى...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

فيه مسائل:

المسألة الأولى: اعلم أن تعلق هذه الآية بما قبلها هو أنه تعالى بين بالدلائل كونه عالما بما يسرون وما يعلنون، ثم ذكر بعده هذه الآية على سبيل التهديد...

المسألة الثانية: الذلول من كل شيء: المنقاد الذي يذل لك، ومصدره الذل، وهو الانقياد واللين، ومنه يقال: دابة ذلول...

{وإليه النشور} يعني ينبغي أن يكون مكثكم في الأرض، وأكلكم من رزق الله مكث من يعلم أن مرجعه إلى الله، وأكل من يتيقن أن مصيره إلى الله، والمراد تحذيرهم عن الكفر والمعاصي في السر والجهر...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها، في أنواع المكاسب والتجارات، واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئًا، إلا أن ييسره الله لكم؛ ولهذا قال: {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ}.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

{وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ} انتفعوا بما أنعم جل شأنه، وكثيراً ما يعبر عن وجوه الانتفاع بالأكل لأنه الأهم الأعم...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم ينتقل بهم السياق من ذوات أنفسهم التي خلقها الله، إلى الأرض التي خلقها له، وذللها وأودعها أسباب الحياة: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا، فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه، وإليه النشور).. والناس لطول ألفتهم لحياتهم على هذه الأرض؛ وسهولة استقرارهم عليها، وسيرهم فيها، واستغلالهم لتربتها ومائها وهوائها وكنوزها وقواها وأرزاقها جميعا.. ينسون نعمة الله في تذليلها لهم وتسخيرها. والقرآن يذكرهم هذه النعمة الهائلة، ويبصرهم بها، في هذا التعبير الذي يدرك منه كل أحد وكل جيل بقدر ما ينكشف له من علم هذه الأرض الذلول. والأرض الذلول كانت تعني في أذهان المخاطبين القدامى، هذه الأرض المذللة للسير فيها بالقدم وعلى الدابة، وبالفلك التي تمخر البحار. والمذللة للزرع والجني والحصاد. والمذللة للحياة فيها بما تحويه من هواء وماء وتربة تصلح للزرع والإنبات. وهي مدلولات مجملة يفصلها العلم -فيما اهتدى إليه حتى اليوم- تفصيلا يمد في مساحة النص القرآني في الإدراك. فمما يقوله العلم في مدلول الأرض الذلول: إن هذا الوصف: (ذلولا).. الذي يطلق عادة على الدابة، مقصود في إطلاقه على الأرض! فالأرض هذه التي نراها ثابتة مستقرة ساكنة، هي دابة متحركة.. بل رامحة راكضة مهطعة!! وهي في الوقت ذاته ذلول لا تلقي براكبها على ظهرها، ولا تتعثر خطاها، ولا تخضه وتهزه وترهقه كالدابة غير الذلول!

ثم هي دابة حلوب مثلما هي ذلول!

(فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه). والمناكب المرتفعات، أو الجوانب. وإذا أذن له بالمشي في مناكبها فقد أذن له بالمشي في سهولها وبطاحها من باب أولى. فمتى أذن له في الشموس منها فقد أذن له في الذلول!

والرزق الذي فيها كله من خلقه، وكله من ملكه، وهو أوسع مدلولا مما يتبادر إلى أذهان الناس من كلمة الرزق. فليس هو المال الذي يجده أحدهم في يده، ليحصل به على حاجياته ومتاعه. إنما هو كل ما أودعه الله هذه الأرض، من أسباب الرزق ومكوناته. وهي في الأصل ترجع إلى طبيعة تكوين الأرض من عناصرها.

(فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه).. وهو محدود بزمن مقدر في علم الله وتدبيره زمن الابتلاء بالموت والحياة، وبكل ما يسخره الله للناس في هذه الحياة. فإذا انقضت فترة الابتلاء كان الموت وكان ما بعده: (وإليه النشور).. إليه.. وإلا فإلى أين إن لم يكن إليه، والملك بيده، ولا ملجأ منه إلا إليه، وهو على كل شيء قدير،...

أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :

الأمر في قوله تعالى: {فَامْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ} للإباحة. ولكن التقديم لهذا الأمر بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً} فيه امتنان من الله تعالى على خلقه، مما يشعر أن في هذا الأمر مع الإباحة توجيهاً وحثاً للأمة على السعي والعمل والجد، والمشي في مناكب الأرض من كل جانب لتسخيرها وتذليلها، مما يجعل الأمة أحق بها من غيرها... فيكون المشي في مناكب الأرض، واستخدام مناكبها، واستغلال ثرواتها، والانتفاع من خيراتها، لا لطلب الرزق وحده، وإلا لكان يمكن سوقه إليهم، ولكن للأخذ بالأسباب أولاً، وللنظر في المسببات والعبرة بالمخلوقات والتزود لما بعد الممات، كما في آية الجمعة: {فَانتَشِرُواْ فِي الأَرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10]. أي عند مشاهدة آيات قدرته وعظيم امتنانه. وعليه، فقد وضع القرآن الأمة الإسلامية في أعز مواضع الغنى، والاستغناء والاستثمار والإنتاج، فما نقص عليها من أمور دنياها، إلا بقدر ما قصرت هي في القيام بهذا العمل، وأضاعت من حقها في هذا الوجود. وقد قال النووي في مقدمة المجموع: إن على الأمة الإسلامية أن تعمل على استثمار وإنتاج كل حاجياتها، حتى الإبرة لتستغني عن غيرها، وإلا احتاجت إلى الغير بقدر ما قصرت في الإنتاج، وهذا هو واقع العالم اليوم، إذ القدرة الإنتاجية هي المتحكمة وذات السيادة الدولية. وقد أعطى الله العالم الإسلامي الأولوية في هذا كله، فعليهم أن يحتلوا مكانهم، ويحافظوا على مكانتهم، ويشيدوا كيانهم بالدين والدنيا معاً. وبالله التوفيق...

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

مع أن من المحتمل أن يكون الخطاب فيها موجها للكافرين الذين هم موضوع الخطاب في الآيات السابقة، فإنها تنطوي على ما هو المتبادر على تلقينات جليلة المدى:

فقد سخر الله الدنيا للجميع، فليس لأحد أن يمنع أحدا من السعي في مناكبها والانتفاع منها.

وقد حث الجميع على السعي في مناكبها، فليس لأحد أن يأكل سعي غيره، أو يسلبه ثمرات سعيه، ويقعد هو عن السعي.

- وقد سخر الدنيا ومنافعها لجميع الناس، ولكنه نبههم إلى أن هذه المنافع لا تنال إلا بالسعي والعمل.

- وقد قرر أن الرزق الذي يستخرجه الناس من الأرض، هو في الحقيقة رزقه؛ لأنه هو الذي خلق مادته، وأوجد القوى والأسباب التي تساعد على إخراجه، فلا حق لأحد أن يدعيه لنفسه، أو يحتكره من دون الناس...

الشعراوي- 1419هـ.

والناس ينظرون إلى الرزق من ناحية واحدة، فهو عندهم المال، فهذا غني وهذا فقير، والحقيقة أن الرزق ليس المال فقط، بل كل شيء تنتفع به فهو رزقك، فهذا رزقه عقله، وهذا رزقه قوته العضلية.

إذن يجب ألا ننظر إلى الرزق على أنه لون واحد، بل ننظر إلى كل ما خلق الله لخلقه من مواهب مختلفة: صحة، قدرة، ذكاء، حلم، شجاعة، كل هذا من الرزق الذي يحدث فيه التفاضل بين الناس.

والحق سبحانه هو الرازق الأعلى ومن بحره يغترف الجميع، ولله تعالى في رزقه حكمة وقدر، فليس بسط الرزق دليل كرامة، ولا تضييقه دليل إهانة، بدليل أن الله يبسط الرزق لقارون، ثم أخذه عزيز مقتدر...

فالأرض كلها لله لا حدود فيها ولا فواصل بينها، فلما قسمها الناس وجعلوا لها حدودا تمنع الحركة فيها حدثت كثير من الإشكالات، وصعب على الناس التنقل للسياحة أو لطلب الرزق إن ضاق بأحد رزقه.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

قوله تعالى : " هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا " أي سهلة تستقرون عليها . والذلول المنقاد الذي يذل لك ، والمصدر الذل وهو اللين والانقياد . أي لم يجعل الأرض بحيث يمتنع المشي فيها بالحُزُونَة والغلظة . وقيل : أي ثبتها بالجبال لئلا تزول بأهلها ، ولو كانت تتكفأ متماثلة لما كانت منقادة لنا . وقيل : أشار إلى التمكن من الزرع والغرس ، وشق العيون والأنهار وحفر الآبار . " فامشوا في مناكبها " هو أمر إباحة ، وفيه إظهار الامتنان . وقيل : هو خبر بلفظ الأمر ، أي لكي تمشوا في أطرافها ونواحيها ، وآكامها وجبالها . وقال ابن عباس وقتادة وبشير بن كعب : " في مناكبها " في جبالها . وروي أن بشير بن كعب كانت له سرية فقال لها : إن أخبرتني ما مناكب الأرض فأنت حرة ؟ فقالت : مناكبها جبالها . فصارت حرة ، فأراد أن يتزوجها فسأل أبا الدرداء فقال : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك . مجاهد : في أطرافها . وعنه أيضا : في طرقها وفجاجها . وقاله السدي والحسن . وقال الكلبي : في جوانبها . ومنكبا الرجل : جانباه . وأصل المنكب الجانب ، ومنه منكب الرجل . والريح النكباء . وتنكب فلان عن فلان . يقول : امشوا حيث أردتم فقد جعلتها لكم ذلولا لا تمتنع . وحكى قتادة عن أبي الجلد : أن الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ ، فللسودان اثنا عشر ألف ، وللروم ثمانية آلاف ، وللفرس ثلاثة آلاف ، وللعرب ألف . " وكلوا من رزقه " أي مما أحله لكم ، قاله الحسن . وقيل : مما أتيته لكم . " وإليه النشور " المرجع . وقيل : معناه أن الذي خلق السماء لا تفاوت فيها ، والأرض ذلولا ، قادر على أن ينشركم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

ولما كان ذلك أمراً غامضاً ، دل عليه بأمر مشاهد أبدعه بلطفه ، وأتقنه بخبرته ، لاستدعاء الشكر من عباده على ما أبدع لهم ، ومنََََ عليهم{[66924]} به من النعم الباهرة التي بها قوامهم{[66925]} ، ولولاه لما كان لهم بقاء فقال مستأنفاً : { هو } أي وحده { الذي جعل لكم } لتتوصلوا إلى ما ينفعكم{[66926]} { الأرض } على سعتها وعظمها{[66927]} وحزونة كثير منها { ذلولاً } أي مسخرة لا تمتنع ، قابلة للانقياد لما تريدون{[66928]} منها من مشي ، وإنباط مياه ، وزرع حبوب ، وغرس أشجار ، وغير ذلك ، غاية الانقياد ، بما تفهمه صيغة المبالغة ، مع أن فيها أماكن خوارة تسوخ فيها الأرجل ، ويغوص فيها ما خالطها ، ومواضع مشتبكة بالأشجار يتعذر أو يتعسر سلوكها ، وأماكن {[66929]}ملأى سباعاً وحيات{[66930]} وغير ذلك من الموانع ، وأماكن هي جبال شاهقة ، إما يتعذر سلوكها كجبل السد بيننا وبين ياجوج وماجوج{[66931]} ، ورد في الحديث أنه تزلق عليه الأرجل ولا تثبت ، أو يشق سلوكها ، ومواطن{[66932]} هي بحور عذبة أو ملحة ، فلو شاء لجعلها كلها كذلك ليكون بحيث لا يمكن الانتفاع بها ، فما قسمها إلى سهول وجبال ، وبرور وبحور ، وأنهار وعيون ، وملح وعذب ، وزرع وشجر ، وتراب وحجر ، ورمال ومدر ، وغير ذلك ، إلا لحكمة بالغة وقدرة باهرة ، لتكون قابلة لجميع ما تريدون منها ، صالحة لسائر ما ينفعكم فيها{[66933]} .

ولما كان معنى التذليل ما تقدم ، سبب عنه قوله تمثيلاً لغرض التذليل ، لأن منكبي البعير وملتقاهما من الغاربين أرق{[66934]} شيء وأنباه عن أن يطأه الراكب بقدمه ويعتمد عليه : { فامشوا } أي{[66935]} الهوينا مكتسبين وغير مكتسبين إن شئتم ، من غير صعوبة توجب لكم وثباً أو حبواً { في مناكبها } أي أماكنها التي هي لولا تسهيلنا لمناكب الحيوانات لكانوا{[66936]} ينتكبون عن الوقوف عليها ، فكيف بالمشي ، و{[66937]}قال ابن عباس رضي الله عنهما{[66938]} : إنها{[66939]} الجبال - لأن تذليلها أدل دليل{[66940]} على تذليل غيرها ، وليكن مشيتكم فيها وتصرفكم بذل وإخبات وسكون{[66941]} استصغاراً لأنفسكم ، وشكراً لمن سخر لكم ذلك - {[66942]}والله الهادي{[66943]} .

ولما ذكر سبحانه أنه يسرها للمشي ، ذكرهم بأنه سهلها لإخراج الخيرات والبركات فقال : { وكلوا } ودل على أن الرزق فوق الكفاية{[66944]} بقوله : { من رزقه } أي الذي أودعه لكم فيها ، وأمكنكم من إخراجه بضد ما تعرفون{[66945]} من أحوالكم ، فإن الدفن في الأرض مما يفسد المدفون ويحيله إلى جوهرها ، كما يكون لمن قبرتموه فيها ، ومع ذلك فأنتم تدفنون الحب وغيره مما ينفعكم ، فيخرجه لكم سبحانه على أحسن ما تريدون ، ويخرج لكم{[66946]} من{[66947]} الأقوات والفواكه والأدهان والملابس ما تعلمون ، وكذلك النفوس هي صعبة كالجبال ، وإن قدتها للخير انقادت لك ، كما قيل " هي النفس ما{[66948]} عودتها تتعود " .

ولما كان التقدير للبعث على الشكر والتحذير{[66949]} من الكفر : واعبدوه جزاء على إحسانه إليكم وتربيته لكم . فمنه مبدأ{[66950]} جميع ذلك ، عطف عليه ما يدعو إلى الحياء من السيد ، والخجل من توبيخه عند لقائه فقال : { وإليه } أي وحده { النشور * } وهو إخراج جميع الحيوانات التي أكلتها الأرض وأفسدتها ، يخرجها في الوقت الذي يريده على ما كان كل منها عليه{[66951]} عند الموت كما أخرج تلك الأرزاق ، لا فرق بين هذا وذاك ، غير أنكم لا تتأملون فيسألكم{[66952]} عما كنتم تعملون ، فيا فوز من شكر ، ويا هلاك من كفر ، فإن هذا أبعث شيء على الشكر ، وأشد شيء إبعاداً عن العصيان لا سيما الكفر ، لما قرر من حاجة الإنسان ، و{[66953]}الإحسان إليه{[66954]} بأنواع الإحسان .


[66924]:- من ظ وم، وفي الأصل: عليه.
[66925]:- من ظ وم، وفي الأصل: قواهم.
[66926]:- زيد من الأصل: من، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66927]:- من ظ وم، وفي الأصل: عظمتها.
[66928]:- من ظ وم، وفي الأصل: يريدونه.
[66929]:- من ظ وم، وفي الأصل: قد ملئت من الحيات والسباع.
[66930]:- من ظ وم، وفي الأصل: قد ملئت من الحيات والسباع.
[66931]:- زيد في الأصل: لأنه، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66932]:- من ظ وم، وفي الأصل: مواضع.
[66933]:- من ظ وم، وفي الأصل: منها.
[66934]:- من ظ وم، وفي الأصل: أدق.
[66935]:- زيد من ظ وم.
[66936]:- سقط من ظ وم.
[66937]:- زيد من ظ وم.
[66938]:- راجع المعالم بهامش اللباب 7/ 105.
[66939]:- من ظ وم، وفي الأصل: هي.
[66940]:- سقط من ظ وم.
[66941]:- زيد في الأصل: ذلك، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66942]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66943]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66944]:- من ظ وم، وفي الأصل: الكفاف.
[66945]:- من ظ وم، وفي الأصل: تعرفونه.
[66946]:- في م: لهم.
[66947]:- من ظ، وفي الأصل وم: منه.
[66948]:- من ظ وم، وفي الأصل: إن.
[66949]:- من ظ وم، وفي الأصل: التحديد.
[66950]:- من ظ وم، وفي الأصل: مبتدأ.
[66951]:- زيد من ظ وم.
[66952]:- زيد من ظ وم.
[66953]:- زيد من ظ وم.
[66954]:- زيد من ظ وم.
 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ( 15 ) }

الله وحده هو الذي جعل لكم الأرض سهلة ممهدة تستقرون عليها ، فامشوا في نواحيها وجوانبها ، وكلوا من رزق الله الذي يخرجه لكم منها ، وإليه وحده البعث من قبوركم للحساب والجزاء . وفي الآية إيماء إلى طلب الرزق والمكاسب ، وفيها دلالة على أن الله هو الإله الحق وحده لا شريك له ، وعلى قدرته ، والتذكير بنعمه ، والتحذير من الركون إلى الدنيا .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

قوله : { وهو الذي جعل لكم الأرض ذلولا } ذلولا ، من الذّلة بكسر الذال أي اللين . ذلت الدابة ذلاّ بالكسر وذللت تذليلا أي سهلت وانقادت {[4588]} والمعنى أن الله سهّل لكم الأرض وسخرها لكم تسخيرا ، إذ جعلها سهلة مستقرة لا تميد بكم ولا تضطرب ، وهيأ لكم فيها أسباب الحياة والعيش والقرار ، من الماء والهواء والتراب ، والجبال والسهول ، والنار والمعادن ، وغير ذلك من لوازم الحياة والاستقرار على هذه الأرض . { فامشوا في مناكبها } أي امشوا في أطراف الأرض ونواحيها ، أو في طرقها وفجاجها ، { وكلوا من رزقه } والأمر للإباحة ، أي كلوا من رزق الله الذي آتاكم ، وأخرجه لكم من مناحي الأرض ، ومن فجاجها وسهولها وجبالها ، { وإليه النشور } أي يخرجكم الله من القبور أحياء ، ثم تنتشرون في المحشر لتلاقوا الحساب والجزاء{[4589]} .


[4588]:مختار الصحاح ص 223 والمصباح المنير جـ 2 ص 225.
[4589]:الكشاف جـ 4 ص 138 وتفسير الطبري جـ 29 ص 5، 6.