تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحديد مدنية وآياتها تسع وعشرون ، نزلت بعد سورة الزلزلة . وهي من السور المدنية التي تعنى بالتشريع وتهذيب الأخلاق والتربية ، وبناء مجتمع إسلامي جديد على أساس العقيدة الصافية ، والخلق الكريم ، والتشريع الإسلامي البناء ، حتى يهيئ الله المؤمنين لحمل هذا الدين ، وإبلاغه للناس أجمعين . وقد سميت سورة الحديد لقوله تعالى : { وأنزلنا الحديدَ فيه بأس شديد ومنافع للناس } . وقد جاء اكتشافه انقلابا كبيرا في مصير الحضارة ، فمن الحديد تُصنع السيوف والرماح والدروع وكانت في ذلك العصر هي آلات الحرب ، واليوم تصنع منه الدبّابات والغواصات والبواخر والمدافع ، وجميع آلات الحرب ووسائل النقل والبناء .

وقد تناولت السورة مواضيع عديدة أوّلها وأهمها أن يكون الكون كله لله ، وبدأت بالإخبار أن الله سبح له ونزهه عما لا يليق به كل من في السموات والأرض ، وأنه هو المتصرف بهذا الكون العجيب كما يشاء .

والثاني : أنها بعد أن أمرت بالإيمان بالله حضّت على الإنفاق في سبيل الله والتضحية بالأموال والأنفس لإعزاز دين الله ، وأظهرت صورة المؤمنين يسعى نورهم أمامهم وحولهم ، وصورة المنافقين يلتمسون الانتظار من المؤمنين ، ليقتبسوا من نورهم . وقد ضُرب بينهم بسور له باب ، باطنه فيه الرحمة ، وظاهره من قِبَله العذاب .

والأمر الثالث : تصوير حقيقة الدنيا وما فيها من بَهْرَج خادع ، ونعيم زائل ، حتى لا يغتر بها الإنسان . وتضرب السورة الأمثال على هوان الدنيا وما حوته من متاع ، وعظم الآخرة وما فيها من نعيم للمؤمنين وعذاب للكافرين والمنافقين . وقد ظهرت هذه الفئة بالمدينة وكان لها خطر كبير على المؤمنين ، لكن الله نَصَر المؤمنين عليهم بإيمانهم وثباتهم وبذلهم وتضحيتهم .

وفي السورة الكريمة دعوة للمؤمنين إلى التنافس والتسابق نحو الدار الآخرة ونيل الرضوان من الله ، وذلك في قوله تعالى : { سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدّت للذين آمنوا بالله ورسله ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم } . وتخلل السورة ذكر بعض الأنبياء ، وإنزال الحديد .

ثم ختمت السورة بدعوة المؤمنين إلى تقوى الله ، والإيمان برسوله ، ووعد الله لهم بمضاعفة الرحمة ، والحظوة بالفضل الذي لا يقدر أحد على شيء منه غيره { وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم } صدق الله العظيم .

سبّح لله : نزّهه عن كل ما لا يليق به .

العزيز : الذي لا ينازعه في ملكه شيء .

الحكيم : الذي يفعل أفعاله وَفْقَ الحكمة والصواب .

بُدئت هذه السورة الكريمة بالتسبيح ، وكذلك بدئت بعدها أربع سور مدنية ، هي : الحشر والصف و الجمعة و التغابن . وأيُّ تسبيح ! إن كل ما في الوجود يسبّح لله . وما هو هذا التسبيح ؟ . يقول علماء المادة اليوم : « إن التسبيح ها هنا

لا يقتصر على كون الذرّات والأجسام الفضائية تخضع للنواميس التي وضعَها اللهُ فيها ، فهي بهذا تسبّحُ بحمد الله سبحانه ، فهناك ما هو أبعدُ من هذا وأقرب إلى مفهوم التسبيح الحيّ والتقديس الواعي . إن هذه الموجودات المادية تملك أرواحاً ، وهي تمارس تسبيحَها وتقديسها بالروح ، وربما بالوعي الذي لا نستطيع استيعاب ماهيّته ، كما يقول تعالى في سورة الإسراء 44 : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } حقا إن إدراك الطرائق التي تعمل بها الذراتُ والأجسام لَمِمّا يصعُب تحقيقه ، ومهما تقدّم العلم وخطا خطواتهِ العملاقة ، فسيظلُّ جانبٌ من أكثر جوانب التركيب الماديّ أهميةً بعيداً عن الكشف النهائي ، مستعصياً على البَوْح بالسِّر المكنون » .

إن عصر الإنكار الكلّي لحقائقَ علميةٍ معينة قد انتهى ، وحلَّ محلّه اعتقادٌ سائد أخَذَ يتسع شيئاً فشيئا ، في أن ميدانَ العِلم لا يشهَدُ تغيراتٍ فحسب ، بل طَفَراتٍ وثورات .

إن نتائج فلسفيةً هامة ستتمخّض حقاً عن هذا التغير ، والفرق بين ما هو طبيعي وما هو خارقٌ للطبيعة سوف يتناقص . . الفرقُ بين الطبيعة وما وراء الطبيعة ، والحضور والغيْب ، والمادة والروح ، والقدَر والحرّية ، وستلتقي معطياتُ العلم مع حقائق الدين في عناق حار ، لقاءً كثيراً ما حدّثنا عنه القرآنُ الكريم ، كتابُ الله المعجزة .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

شرح الكلمات :

{ سبح لله ما في السموات والأرض } : أي نزه الله تعالى جميع ما في السموات والأرض بلسان الحال والقال .

{ وهو العزيز الحكيم } : أي في ملكه ، الحكيم في صنعه وتدبيره .

/د1

المعنى :

فأولا تسبيح كل شيء في السموات والأرض أي تنزيهه عن كل نقص كالزوجة والولد والشريك والوزير المعين والعجز والجهل ، ثانيا إنه تعالى العزيز ذو العزة التي لا ترام العظيم الانتقام الحكيم في تدبير ملكه فلا شيء في خلقه هو عبثٌ أو لهوٌ أو باطل .

الهداية

من الهداية :

- فضل التسبيح وأفضله سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم .

- مظاهر القدرة والعلم والحكمة في هذه الآيات الخمس هي موجبات ربوبيته الله تعالى وألوهيته وهي مقتضية للبعث الآخر والجزاء فيه .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مدنية وقيل مكية وآياتها تسع وعشرون . وقد جاءت متضمنة كثيرا من مختلف المعاني والأخبار والحجج . منها التأكيد على وحدانية الله وجلال قدره وعظيم سلطانه وجبروته ، وأنه سبحانه { الأول والآخر والظاهر والباطن } لا جرم أن هذه الآية بعظيم مدلولها تذكّر بأن الله له ملكوت كل شيء وأن قدرته وعلمه وسلطانه محيط بكل شيء .

وفي السورة بيان بحال المؤمنين السعداء يوم القيامة ، وحال المنافقين المذعورين المستيئسين يومئذ ، وما يضربه الله بين الفريقين من سور فاصل بينهما ظاهره فيه الرحمة وباطنه يفضي إلى العذاب .

وفي السورة تحذير شديد للمؤمنين أن تقسو قلوبهم فيغشاها ركام من الزيغ والرّان والغفلة ، كما قست قلوب أهل الكتاب لما طال عليهم الأمد فبدّلوا كتاب الله تبديلا .

وفيها كذلك تحذير للمؤمنين من الاغترار بالدنيا كيلا تلهيهم وتزيغ بها قلوبهم ، وما الدنيا إلا سحابة غيم تمطر الزرع فينمو ويهيج ويعجب به الناس ثم يصفر ويذبل ثم يصير هشيما تدوسه الدواب والأنعام وتذروه الرياح السوافي .

وفي السورة تذكير بأهمية الحديد الذي سميت به السورة فمن الحديد تصنع آلالات الحرب ليرد بها المسلمون كيد المعتدين الظالمين بعد أن لم تفلح معهم أساليب الحكمة والموعظة والبرهان . إلى غير ذلك من جليل المعاني والمواعظ .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ سبّح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم 1 له ملك السماوات والأرض يحي ويميت وهو على كل شيء قدير 2 هو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم } .

ذلك إخبار من الله حق بأن الوجود كله وما فيه من أجسام وأجرام ونبات وحيوان ، يسبح بحمد ربه ولكن الناس لا يعلمون كيف يسبح . ذلك أن الله خالق كل شيء وأن قدرته وعلمه وسلطانه محيط بالكون كله .

فقال سبحانه : { سبّح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } كل شيء يسبح بحمد الله ولا نفقه كيف يسبح الخلق من غير بني آدم . وهو سبحانه العزيز ، أي القوي ، المنيع الجانب الذي لا يغلبه غالب ، المنتقم من المدبرين عن طاعته وعبادته . وهو سبحانه الحكيم ، في تدبيره وتقديره وشرعه وأمره كله .