تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا} (36)

ما كان لمؤمن . . . . : لا ينبغي لمؤمن أن يختار غير ما يختار الله .

الخيرة : الاختيار .

مبينا : ظاهرا .

ليس الاختيار بيد الإنسان في كل شيء ، بل هناك أمور لا اختيار لمؤمنٍ ولا لمؤمنة فيها وهي ما حَكَمَ اللهُ فيه ، فما أمر به فهو المتّبع ، وما أرادَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فهو الحقّ ، ومن يخالفْ ما حكم به الله ورسوله { فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً } .

نزلت هذه الآية في زينبَ بنتِ جحش ، ابنة عمةِ النبي عليه الصلاة والسلام ، فقد خطَبها الرسول الكريم ليزوّجها من زيد بن حارثة مولاه ، فلم يقبل أخوها عبدُ الله أن تكون أختُه وهي قرشية هاشمية ، تحت عبدٍ اشترته خديجةُ ثم أعتقه الرسول الكريم .

وقد أصر الرسول عليه الصلاة والسلام على تزويجها من زيدٍ لإزالة تلك الاعتبارات القائمة في النفوس على العصبيّات ، ولهدْم تقاليد العرب القديمة .

فلما نزلت هذه الآية أذعَن عبدُ الله وأختُه زينب وقبلت أن تتزوج زيدا . ولم ينجح هذا الزواج . فقد تطاولت زينب على زوجها وجعلت تتكبر عليه ، وتعيّره بأنه عبد رقيق ، وهي قرشية . وآذتْه بفخرها عليه ، واشتكى إلى النّبي ذلك مرارا ، وطلب إليه أن يأذَن له بتطليقها فكان النبي يقول له : « أمسِك عليك زوجَك » لكن زيدا لم يُطِقْ معاشرةَ زينب فطلّقها .

قراءات :

قرأ أهل الكوفة : { أن يكون لهم الخيرة } بالياء ، والباقون : { أن } تكون بالتاء .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا} (36)

فيه أربع مسائل :

الأولى- روى قتادة وابن عباس ومجاهد في سبب نزول هذه الآية : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب زينب بنت جحش ، وكانت بنت عمته ، فظنت أن الخطبة لنفسه ، فلما تبين أنه يريدها لزيد ، كرهت وأبت وامتنعت ، فنزلت الآية . فأذعنت زينب حينئذ وتزوجته . في رواية : فامتنعت وامتنع أخوها عبدالله لنسبها من قريش ، وأن زيدا كان بالأمس عبدا ، إلى أن نزلت هذه الآية ، فقال له أخوها : مرني بما شئت ، فزوجها من زيد . وقيل : إنها نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، وكانت وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، فزوجها من زيد بن حارثة ، فكرهت ذلك هي وأخوها وقالا : إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجنا غيره ، فنزلت الآية بسبب ذلك ، فأجابا إلى تزويج زيد ، قاله ابن زيد . وقال الحسن : ليس لمؤمن ولا مؤمنة إذا أمر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم بأمر أن يعصياه .

الثانية- لفظة " ما كان ، وما ينبغي " ونحوهما ، معناها الحظر والمنع . فتجيء لحظر الشيء والحكم بأنه لا يكون ، كما في هذه الآية وربما كان امتناع ذلك الشيء عقلا كقوله تعالى : " ما كان لكم أن تنبتوا شجرها " {[12824]} [ النمل : 60 ] وربما كان العلم بامتناعه شرعا كقوله تعالى : " وما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة " {[12825]} ، وقوله تعالى : " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب " {[12826]} [ الشورى : 51 ] . وربما كان في المندوبات ، كما تقول : ما كان لك يا فلان أن تترك النوافل ، ونحو هذا .

في هذه الآية دليل بل نص في أن الكفاءة لا تعتبر في الأحساب وإنما تعتبر في الأديان ، خلافا لمالك والشافعي والمغيرة وسحنون . وذلك أن الموالي تزوجت في قريش ، تزوج زيد زينب بنت جحش . وتزوج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير . وزوج أبو حذيفة سالما من فاطمة{[12827]} بنت الوليد بن عتبة . وتزوج بلال أخت عبد الرحمن بن عوف . وقد تقدم هذا المعنى في غير{[12828]} موضع .

قوله تعالى : " أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " قرأ الكوفيون : " أن يكون " بالياء . وهو اختيار أبي عبيد ؛ لأنه قد فرق بين المؤنث وبين فعله . الباقون بالتاء ؛ لأن اللفظ مؤنث فتأنيث فعله حسن . والتذكير على أن الخيرة بمعنى التخيير ، فالخيرة مصدر بمعنى الاختيار . وقرأ ابن السميقع " الخيرة " بإسكان الياء . وهذه الآية في ضمن قوله تعالى : " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " {[12829]} [ الأحزاب : 6 ] . ثم توعد تعالى وأخبر أن من يعص الله ورسوله فقد ضل . وهذا أدل دليل على ما ذهب إليه الجمهور من فقهائنا ، وفقهاء أصحاب الإمام الشافعي وبعض الأصوليين ، من أن صيغة " افعل " للوجوب في أصل وضعها ؛ لأن الله تبارك وتعالى نفى خيرة المكلف عند سماع أمره وأمر رسول الله ، ثم أطلق على من بقيت له خيرة عند صدور الأمر اسم المعصية ، ثم علق على المعصية بذلك الضلال ، فلزم حمل الأمر على الوجوب . والله أعلم .


[12824]:راجع ج 13 ص 221.
[12825]:راجع ج 4 ص 121.
[12826]:راجع ج 16 ص 53.
[12827]:في الأصول وابن العربي: "هند" والتصويب عن كتب الصحابة.
[12828]:راجع ج 3 ص 69 و ج 13 ص 278.
[12829]:راجع ص 121 من هذا الجزء.