سورة الهمزة مكية ، وآياتها تسع ، نزلت بعد سورة القيامة . وتتحدث هذه السورة عن الذين يَعيبون الناس ، ويَطعنون في أعراضهم ، ويستهينون بأقدارهم وكرامتهم بالقول والإشارة والتقليد والسخرية .
ثم تتحدث السورة عن الذين يشتغلون بجمع المال ، ويظنون أن المال هو كل شيء في هذه الحياة ، والحيازة التي تهون أمامها جميع القيم ، وهم لفرط جهلهم يحسبون أن المال سيخلّدهم في الدنيا ! ثم بينت السورة أن عاقبة هؤلاء المغرورين الأشقياء هي النار ، تُطبق عليهم { في عمد ممدّدة } خالدين فيها أبدا .
الويل : العذاب ، وحلول الشر ، لفظٌ يستعمل في الذم .
الهُمَزة : الذي يغتاب الناس ويطعن في أعراضهم .
اللُّمزة : الذي يَعيب الناس ، وينال منهم بالإشارة والحركات .
الهلاك والعذابُ لمن اعتاد أن يَعيب الناس بالكلام أو بالإشارة ، ويحاولَ أن يَسْخَر منهم ويحطَّ من أقدارهم . فهذه الآية الكريمة ترسم صورةً لئيمةً حقيرة من صوَرِ النفوس البشرية حين تخلو من المروءة ، وتَعْرَى من الإيمان .
ولذلك نهى الإسلامُ عن الهَمْزِ والغمز واللمز والعيب في مواضعَ شتى ؛ لأن من قواعدِ الإسلام تهذيبَ الأخلاق ورفْعَ المستوى الخلُقي في المجتمع الإسلامي .
وقد رُوي أن عدداً من زعماء قريش كانوا يَلْمِزون النبيَّ الكريم وأصحابه ، منهم الأخنسُ بنُ شريق ، والوليدُ بن المغيرة ، وأميّةُ بن خلف وغيرهُم ، فنزلت هذه السورة الكريمة لتؤدّبهم وتهذِّبَ الأخلاق .
{ 1 - 9 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ }
{ وَيْلٌ } أي : وعيد ، ووبال ، وشدة عذاب { لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } الذي يهمز الناس بفعله ، ويلمزهم بقوله ، فالهماز : الذي يعيب الناس ، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل ، واللماز : الذي يعيبهم بقوله .
{ ويل لكل همزة لمزة } قال ابن عباس : هم المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العيب ، ومعناهما واحد ، وهو العياب . وقال مقاتل : الهمزة : الذي يعيبك في الغيب ، واللمزة : الذي يعيبك في الوجه . وقال أبو العالية والحسن بضده . وقال سعيد بن جبير ، وقتادة : الهمزة الذي يأكل لحوم الناس ويغتابهم ، واللمزة : الطعان عليهم . وقال ابن زيد : الهمزة : الذي يهمز الناس بيده ويضربهم ، واللمزة : الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم . وقال سفيان الثوري : ويهمز بلسانه ويلمز بعينه . ومثله قال ابن كيسان : الهمزة : الذي يؤذي جليسه بسوء اللفظ واللمزة : الذي يومض بعينه ، ويشير برأسه ، ويرمز بحاجبه ، وهما نعتان للفاعل ، نحو سخرة وضحكة : للذي يسخر ويضحك من الناس ، وأصل الهمز : الكسر والعض على الشيء بالعنف . واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية ؟ قال الكلبي : نزلت في الأخنس بن شريق بن وهب الثقفي كان يقع في الناس ويغتابهم . وقال محمد بن إسحاق : ما زلنا نسمع أن سورة الهمزة نزلت في أمية بن خلف الجمحي . وقال مقاتل : نزلت في الوليد بن المغيرة ، كان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم من ورائه ، ويطعن عليه في وجهه . وقال مجاهد : هي عامة في حق كل من هذه صفته .
لما بين الناجين من قسمي الإنسان في العصر ، وختم بالصبر ، حصل تمام التشوف إلى أوصاف الهالكين ، فقال مبيناً لأضلهم وأشقاهم الذي الصبر على أذاه في غاية الشدة ليكون ما أعد له من العذاب مسلاة للصابر : { ويل } أي هلاك عظيم جداً { لكل همزة } أي الذي صار له الهمز عادة ؛ لأنه خلق ثابت في جبلته ، وكذا { لمزة * } والهمز : الكسر كالهزم ، واللمز : الطعن ، هذا أصلهما ، ثم خصا بالكسر من أعراض الناس والطعن فيهم ، وقال ابن هشام في تهذيب السيرة : الهمزة الذي يشتم الرجل علانية ، ويكسر عينيه عليه ويهمز به ، واللمزة الذي يعيب الناس سراً . انتهى . وقال البغوي : وأصل الهمز الكسر والعض على الشيء بالعنف ، والذي دل على الاعتياد صيغة فعل بضم وفتح ، كما يقال : ضحكة للذي يفعل الضحك كثيراً حتى صار عادة له وضرى به ، والفعلة بالسكون للمفعول ، وهو الذي يهمزه الناس ويلمزونه ، وقرىء بها ، وكأنه إشارة إلى من يتعمد أن يأتي بما يهمز به ويلمز به ، فيصير مسخرة يضحك منه ، والله أعلم .
وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما قال سبحانه وتعالى { إن الإنسان لفي خسر } أتبعه بمثال من ذكر نقصه وقصوره واغتراره ، وظنه الكمال لنفسه حتى يعيب غيره ، واعتماده على ما جمعه من المال ظناً أنه يخلده وينجيه ، وهذا كله هو عين النقص ، الذي هو شأن الإنسان ، وهو المذكور في السورة قبل ، فقال تعالى { ويل لكل همزة لمزة } فافتتحت السورة بذكر ما أعد له من العذاب جزاء له على همزه ولمزه الذي أتم حسده ، والهمزة العياب الطعان ، واللمزة مثله ، ثم ذكر تعالى ماله ومستقره بقوله : { لينبذن في الحطمة } أي ليطرحن في النار جزاء له على اغتراره وطعنه . انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.