سورة الملك مكية وآياتها ثلاثون ، نزلت بعد سورة الطور . ويحتوي هذا الجزء على إحدى عشرة سورة ، كلها مكية ما عدا سورة الإنسان فإنها مدنية ، وكانت سور الجزء الذي قبله كلها مدنية . وفيه بعض سور من أوائل ما نزل من القرآن مثل المدثر ، والمزمّل والقلم . وقد سميت من قوله تعالى { تبارك الذي بيده الملك } وتسمى " الواقية " و " المنجية " لأنها تقي قارئها من عذاب القبر ، لما روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " هي المانعة ، وهي المنجية ، تنْجي من عذاب القبر " .
وموضوع السورة كشأن سائر السور المكية التي تعالج موضوع العقيدة في أصولها الكبرى . وقد تناولت أهدافا رئيسية ثلاثة هي : إثبات عظمة الله ، وقدرته على الخلق والحياة والموت .
وإقامة الأدلة على وحدانية رب العالمين .
وبيان عاقبة المكذبين الجاحدين .
فقد وُجّهت الأفكار في مطلع السورة إلى آثار قدرة الله الباهرة في الأنفس والآفاق ، وذكرت أن الله تعالى بيده المُلك والسلطان ، وهو المتصرف في هذا الكون العجيب الواسع ، وفي الكائنات بالخلق والإيجاد ، والإحياء والإماتة . وأكدت على الناس أن يفكروا في هذا الكون وما فيه من عجائب . وهنا يكرر التأكيد { ثم ارجع البصر كرّتين . . . } .
وهي تهز في النفوس جميع الصور والانطباعات والرواسب الجامدة المتخلفة من تصور الجاهلية وركودها ، وتطلق الحواس والعقل والبصيرة لترتاد آفاق الكون وأغوار النفس ، وطباق الجو ، ومسارب الماء ، وخفايا الغيوب ، فترينا يد الله المبدعة { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح } . ويُحس المرء حركة الوجود المنبعثة من قدرة الله ، وعندما يتأمل في ذلك كله يجد أن الأمر أكبر ، وأن المجال أوسع ، وأن التسليم أسلم . وكانت الحياة الدنيا تبدو في نظر أهل الجاهلية غاية الوجود ، ونهاية المطاف . وتكشف السورة الستار عن عالم آخر ما كانوا يعلمون عنه شيئا ، فتحدثهم عن الآخرة وما فيها من مواقف وعذاب وجزاء ، وتنبه إلى أن الظاهر من الدنيا ليس كل شيء ، فتشدّد أنظارهم وقلوبهم إلى عالم الغيب وإلى السماء والقدرة التي لم ترها عين ، ولم تخطر لهم على بال .
ثم يمنّ الله على هذا الخلق بأنه جعل هذه الأرض ذلولا لهم { فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور } ، والطير في السماء يرونها فوقهم باسطات أجنحتهنّ ، ولولا أن الله يمسكهن لوقعن على الأرض .
ثم تتحدث السورة عن نعم الله التي لا تحصى على الإنسان ، ومع ذلك
لا يصدّقون ويقولون : { متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ؟ } . ويأتي الرد بلطافة ورزانة وأناة { قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين } .
والله سبحانه وتعالى دائما هو الرحمن الرحيم { قل هو الرحمن آمنا به ، وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين } .
ويأتي في ختام السورة إنذار شديد لهؤلاء المكذبين { قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين } .
ومفتاح السورة كلها ، ومحورها الذي تشدّ إليه تلك الحركة فيها ، هو مطلعها العظيم الجامع الموحي : { تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير } .
تبارك : تعالى ربنا عما لا يليق به .
بيده الملك : له التصرف المطلق في هذا الكون .
افتتح الله تعالى هذه السورةَ الكريمة بتمجيد نفسه ، وأخبر أنّ بيدِه الملكَ والتصرفَ في جميع المخلوقات { وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
{ 1 - 4 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ * الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ } .
{ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ } أي : تعاظم وتعالى ، وكثر خيره ، وعم إحسانه ، من عظمته أن بيده ملك العالم العلوي والسفلي ، فهو الذي خلقه ، ويتصرف فيه بما شاء ، من الأحكام القدرية ، والأحكام الدينية التابعة لحكمته ، ومن عظمته ، كمال قدرته التي يقدر بها على كل شيء ، وبها أوجد ما أوجد من المخلوقات العظيمة ، كالسماوات والأرض .
مكية في قول الجميع . وتسمى الواقية والمنجية . وهي ثلاثون آية .
روى الترمذي عن ابن عباس قال : ضرب رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر ، فإذا قبر إنسان يقرأ سورة " الملك " حتى ختمها ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر ، فإذا قبر إنسان يقرأ سورة " الملك " حتى ختمها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر ) . قال : حديث حسن غريب . وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وددت أن " تبارك الذي بيده الملك " في قلب كل مؤمن ) ذكره الثعلبي . وعن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل حتى أخرجته من النار يوم القيامة وأدخلته الجنة وهي سورة " تبارك " ) . خرجه الترمذي بمعناه ، وقال فيه : حديث حسن . وقال ابن مسعود : إذا وضع الميت في قبره فيؤتى من قبل رجليه ، فيقال : ليس لكم عليه سبيل ، فإنه كان يقوم بسورة " الملك " على قدميه . ثم يؤتى من قبل رأسه ، فيقول لسانه : ليس لكم عليه سبيل ، إنه كان يقرأ بي سورة " الملك " ثم قال : هي المانعة من عذاب الله ، وهي في التوراة سورة " الملك " من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب . وروي أن من قرأها كل ليلة لم يضره الفَتّان .
قوله تعالى : " تبارك " تفاعل من البركة وقد تقدم{[15174]} . وقال الحسن : تقدس . وقيل دام . فهو الدائم الذي لا أول لوجوده ولا آخر لدوامه . " الذي بيده الملك " أي ملك السموات والأرض في الدنيا والآخرة . وقال ابن عباس : بيده الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء ، ويحيي ويميت ، ويغني ويفقر ، ويعطي ويمنع . وقال محمد بن إسحاق : له ملك النبوة التي أعز بها من اتبعه وذل بها من خالفه . " وهو على كل شيء قدير " من إنعام وانتقام .
{ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 1 ) }
تعالى الله وتعاظم عما سواه ذاتا وصفات وفعلا ، وتكاثر خير الله وبرُّه على جميع خلقه ، الذي بيده مُلك الدنيا والآخرة وسلطانهما ، نافذ فيهما أمره وقضاؤه ، وهو على كل شيء قدير . ويستفاد من إضافة اليد إلى الله تعالى ، ثبوت صفة ذات له سبحانه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.