الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

أخرج ابن الضريس والبخاري وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت بمكة تبارك الملك .

وأخرج ابن جرير في عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أنزلت تبارك الملك في أهل مكة إلا ثلاث آيات .

أخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن الضريس والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له { تبارك الذي بيده الملك } » .

وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه والضياء في المختارة عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سورة في القرآن خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة { تبارك الذي بيده الملك } » .

وأخرج الترمذي والحاكم وابن مردويه وابن نصر والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر ، فإذا هو بإنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر » .

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر » .

وأخرج ابن مردويه عن رافع بن خديج وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «أنزلت عليّ سورة تبارك وهي ثلاثون آية جملة واحدة وقال : «هي المانعة في القبور ، وإن قراءة قل هو الله أحد في صلاة تعدل قراءة ثلث القرآن ، وإن قراءة قل يا أيها الكافرون في صلاة تعدل ربع القرآن ، وإن قراءة إذا زلزلت في صلاة تعدل نصف القرآن » .

وأخرج عبد بن حميد في مسنده واللفظ له والطبراني والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال لرجل : ألا أتحفك بحديث تفرح به ؟ قال : بلى ، قال اقرأ { تبارك الذي بيده الملك } وعلمها أهلك وجميع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك ، فإنها المنجية والمجادلة يوم القيامة عند ربها لقارئها ، وتطلب له أن تنجيه من عذاب النار ، وينجو بها صاحبها من عذاب القبر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي » .

وأخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن الزهري عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن رجلاً ممن كان قبلكم مات وليس معه شيء من كتاب الله إلا تبارك الذي بيده الملك ، فلما وضع في حفرته أتاه الملك فثارت السورة في وجهه فقال لها : إنك من كتاب الله ، وأنا أكره شقاقك ، وإني لا أملك لك ولا له ولا لنفسي ضراً ولا نفعاً ، فإن أردت هذا به فانطلقي إلى الربّ فاشفعي له ، فانطلقت إلى الرب ، فتقول : يا رب إن فلاناً عمد إليّ من بين كتابك فتعلمني وتلاني ، أفمحرقه أنت بالنار ومعذبه وأنا في جوفه ؟ فإن كنت فاعلاً به فامحني من كتابك فيقول : ألا أراك غضبت فتقول : وحق لي أن أغضب ، فيقول : اذهبي فقد وهبته لك ، وشفعتك فيه ، فتجيء سورة الملك فيخرج كاسف البال لم يحل منه شيء فتجيء فتضع فاها على فيه ، فتقول : مرحبا بهذا الفم فربما تلاني ، وتقول : مرحباً بهذا الصدر فربما وعاني ، ومرحباً بهاتين القدمين فربما قامتا بي ، وتؤنسه في قبره مخافة الوحشة عليه » فلما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث لم يبق صغير ولا كبير ولا حر ولا عبد إلا تعلمها ، وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم المنجية .

وأخرج ابن الضريس والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود قال : يؤتى الرجل في قبره فيؤتى من قبل رجليه ، فتقول رجلاه : ليس لكم على ما قبلي سبيل ، قد كان يقوم علينا بسورة الملك ، ثم يؤتى من قبل صدره فيقول : ليس لكم على ما قبلي سبيل قد كان وعى فيّ سورة الملك ، ثم يؤتى من قبل رأسه فيقول : ليس لكم على ما قبلي سبيل قد كان يقرأ بي سورة الملك ، فهي المانعة تمنع من عذاب القبر ، وهي في التوراة سورة الملك ، من قرأها في ليلة فقد كثر وأطيب .

وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند جيد عن ابن مسعود قال : كنا نسميها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المانعة ، وإنها لفي كتاب الله سورة الملك ، من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب .

وأخرج أبو عبيد والبيهقي في الدلائل من طريق مرة عن ابن مسعود قال : إن الميت إذا مات أوقدت حوله نيران فتأكل كل نار يليها إن لم يكن له عمل يحول بينه وبينها ، وإن رجلاً مات ولم يكن يقرأ من القرآن إلا سورة ثلاثين آية فأتته من قبل رأسه ، فقالت : إنه كان يقرؤني ، فأتته من قبل رجليه ، فقالت : إنه كان يقوم بي ، فأتته من قبل جوفه فقالت : إنه كان وعاني فأنجته . قال : فنظرت أنا ومسروق في المصحف فلم نجد سورة ثلاثين آية إلا تبارك .

وأخرجه الدارمي وابن الضريس عن مرة مرسلاً .

وأخرج سعيد بن منصور عن عمرو بن مرة قال : كان يقال : إن في القرآن سورة تجادل عن صاحبها في القبر تكون ثلاثين آية فنظروا فوجدوها تبارك .

وأخرج الديلمي عن أنس مرفوعاً قال : يبعث رجل يوم القيامة لم يترك شيئاً من المعاصي إلا ركبها إلا أنه كان يوحد الله ، ولم يكن يقرأ من القرآن إلا سورة واحدة فيؤمر به إلى النار فطار من جوفه شيء كالشهاب ، فقالت : اللهم إني مما أنزلت على نبيك صلى الله عليه وسلم وكان عبدك هذا يقرؤني ، فما زالت تشفع حتى أدخلته الجنة ، وهي المنجية { تبارك الذي بيده الملك } .

وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن ابن مسعود قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة { سبح اسم ربك الأعلى } [ الأعلى : 1 ] وفي صلاة الصبح يوم الجمعة { آلم تنزيل } [ السجدة : 1 ] و { تبارك الذي بيده الملك } .

وأخرج الديلمي بسند واه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إني لأجد في كتاب الله سورة هي ثلاثون آية ، من قرأها عند نومه كتب له منها ثلاثون حسنة ، ومحي عنه ثلاثون سيئة ، ورفع له ثلاثون درجة ، وبعث الله إليه ملكاً من الملائكة ليبسط عليه جناحه ويحفظه من كل شيء حتى يستيقظ ، وهي المجادلة تجادل عن صاحبها في القبر ، وهي { تبارك الذي بيده الملك } » .

وأخرج الديلمي بسند واه عن أنس رضي الله عنه رفعه لقد رأيت عجباً ، رأيت رجلاً مات كان كثير الذنوب مسرفاً على نفسه ، فكلما توجه إليه العذاب في قبره من قبل رجليه أو من قبل رأسه أقبلت السورة التي فيها الطير تجادل عنه العذاب ، أنه كان يحافظ عليّ ، وقد وعدني ربي أنه من واظب عليّ أن لا يعذبه ، فانصرف عنه العذاب بها ، وكان المهاجرون والأنصار يتعلمونها ويقولون : «المغبون من لم يتعلمها وهي سورة الملك » .

وأخرج ابن الضريس عن مرة الهمداني قال : أتى رجل من جوانب قبره فجعلت سورة من القرآن ثلاثون آية تجادل عنه حتى منعته من عذاب القبر ، فنظرت أنا ومسروق فلم نجدها إلا تبارك .

وأخرج ابن مردويه من طريق أبي الصباح عن عبد العزيز عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «دخل رجل الجنة بشفاعة سورة من القرآن ، وما هي إلا ثلاثون آية تنجيه من عذاب القبر { تبارك الذي بيده الملك } » .

وأخرج ابن مردويه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ { آلم تنزيل } السجدة و { تبارك الذي بيده الملك } كل ليلة لا يدعها في سفر ولا حضر .

قوله تعالى : { تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة } الآيتين .

أخرج ابن عساكر عن عليّ رضي الله عنه مرفوعاً ، كلمات من قالهن عند وفاته دخل الجنة ، لا إله إلا الله الحليم الكريم ثلاث مرات ، الحمد لله رب العالمين ثلاث مرات ، { تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير } .