إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الملك مكية وتسمى الواقية والمنجية ، لأنها تقي وتنجي قارئها من عذاب القبر وآيها ثلاثون .

{ تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك } البركةُ النماءُ والزيادةُ حسيةً كانتْ أو عقليةً ، وكثرةُ الخيرِ ودَوامُهُ أيضاً ، ونسبتُهَا إلى الله عزَّ وجلَّ على المَعْنَى الأولِ وهُو الأليقُ بالمقامِ باعتبارِ تعاليهِ عمَّا سواهُ في ذاتِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ ، وصيغةُ التفاعلِ للمبالغةِ في ذلكَ ، فإنَّ ما لا يتصورُ نسبتُهُ إليهِ تعالَى من الصيغِ كالتكثر ونحوِهِ ، إنَّما تنسبُ إليه سبحانَهُ باعتبارِ غاياتِهَا ، وعلى الثَّاني باعتبارِ كثرةِ ما يفيضُ منهُ على مخلوقاتِهِ من فنونِ الخيراتِ . والصيغةُ حينئذٍ يجوزُ أن تكونَ لإفادةِ نماءِ تلكَ الخيراتِ وازديادِها شيئاً فشيئاً ، وآناً فآناً ، بحسبِ حدوثِهَا أو حدوثِ متعلقاتِهَا . ولاستقلالِهَا بالدلالةِ على غايةِ الكمالِ ، وإنبائِها عن نهايةِ التعظيمِ ، لم يجُزْ استعمالُهَا في حقِّ غيرِه سبحانَهُ ، ولا استعمالُ غيرِهَا من الصيغِ في حقِّه تباركَ وتعالَى . وإسنادُها إلى الموصولِ للاستشهادِ بما في حيزِ الصَّلةِ على تحققِ مضمونِهَا . واليدُ مجازٌ عن القدرةِ التامَّةِ والاستيلاءِ الكاملِ ، أي تعالَى وتعاظَم بالذاتِ عن كلِّ ما سواهُ ذاتاً وصفةً وفعلاً ، الذي بقبضةِ قُدرتِهِ التَّصرفُ الكليُّ في كلِّ الأمورِ . { وَهُوَ على كُلّ شَيء } منَ الأشياءِ { قَدِيرٌ } مُبالِغٌ في القُدرةِ عليهِ ، يتصرفُ فيهِ حسبَما تقتضيهِ مشيئتُهُ المبنيةُ على الحِكَمِ البالغةِ . والجملةُ معطوفةٌ على الصِّلةِ ، مقررةٌ لمضمونِهَا ، مفيدةٌ لجريانِ أحكامِ مُلكِهِ تعالَى في جَلائلِ الأُمورِ ودقائِقها .