بغياً بينهم : ظلماً وتجاوزا لحدود الله .
والمشركون ما خالفوا الحقّ إلا من بعد ما بلَغَهم ، وقامت الحجةُ عليهم ، وما فعلوا ذلك إلا بغياً منهم وعدواناً وحسدا .
{ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ }
لولا الكلمة السابقة من الله حول إمهال المشركين إلى يوم القيامة لعجَّل الله لهم العقوبة في الدنيا .
وإن أهل الكتاب ليسوا على يقينٍ من أمرهم وإيمانهم ، وإنما هم مقلِّدون لآبائهم وأسلافهم ، بلا دليل ولا برهان ولذلك إنهم { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } فهم في حَيرة من أمرهم ، وشكٍ جعلهم في ريب واضطراب وقلق .
{ 14-15 } { وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ * فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }
لما أمر تعالى باجتماع المسلمين على دينهم ، ونهاهم عن التفرق ، أخبرهم
أنكم لا تغتروا بما أنزل الله عليكم من الكتاب ، فإن أهل الكتاب لم يتفرقوا حتى أنزل الله عليهم الكتاب الموجب للاجتماع ، ففعلوا ضد ما يأمر به كتابهم ، وذلك كله بغيا وعدوانا منهم ، فإنهم تباغضوا وتحاسدوا ، وحصلت بينهم المشاحنة والعداوة ، فوقع الاختلاف ، فاحذروا أيها المسلمون أن تكونوا مثلهم .
{ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ } أي : بتأخير العذاب القاضي { إلى أجل مسمى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } ولكن حكمته وحلمه ، اقتضى تأخير ذلك عنهم . { وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ } أي : الذين ورثوهم وصاروا خلفا لهم ممن ينتسب إلى العلم منهم { لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ } أي : لفي اشتباه كثير يوقع في الاختلاف ، حيث اختلف سلفهم بغيا وعنادا ، فإن خلفهم اختلفوا شكا وارتيابا ، والجميع مشتركون في الاختلاف المذموم .
{ وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم } ما تفرق أهل الكتاب إلا عن علم بأن الفرقة ضلالة ولكنهم فعلوا ذلك للبغي { ولولا كلمة سبقت من ربك } في تأخيرهم إلى الساعة { لقضي بينهم } لجوزوا بأعمالهم { وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم } يعني هذه الأمة أعطوا الكتاب من بعد اليهود والنصارى { لفي شك منه مريب } يعني كفار هذه الأمة ومشركيها
" وما تفرقوا " قال ابن عباس : يعني قريشا . " إلا من بعد ما جاءهم العلم " محمد صلى الله عليه وسلم ، وكانوا يتمنون أن يبعث إليهم نبي ، دليله قوله تعالى في سورة فاطر : " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير " {[13476]} [ فاطر : 42 ] يريد نبيا . وقال في سورة البقرة : " فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به " [ البقرة : 89 ] على ما تقدم بيانه هناك{[13477]} . وقيل : أمم الأنبياء المتقدمين ، فإنهم فيما بينهم اختلفوا لما طال بهم المدى ، فآمن قوم وكفر قوم . وقال ابن عباس أيضا : يعني أهل الكتاب ، دليله في سورة المنفكين : " وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة " [ البينة : 4 ] . فالمشركون قالوا : لم خُص بالنبوة ! واليهود حسدوه لما بعث ، وكذا النصارى . " بغيا بينهم " أي بغيا من بعضهم على بعض طلبا للرياسة ، فليس تفرقهم لقصوره في البيان والحجج ، ولكن للبغي والظلم والاشتغال بالدنيا . " ولولا كلمة سبقت من ربك " في تأخير العقاب عن هؤلاء . " إلى أجل مسمى " قيل : القيامة ؛ لقوله تعالى : " بل الساعة موعدهم " {[13478]} [ القمر : 46 ] . وقيل : إلى الأجل الذي قضي فيه بعذابهم . " لقضي بينهم " أي بين من آمن وبين من كفر بنزول العذاب . " وإن الذين أورثوا الكتاب " يريد اليهود والنصارى . " من بعدهم " أي من بعد المختلفين في الحق . " لقي شك منه مريب " من الذي أوصى به الأنبياء . والكتاب هنا التوراة والإنجيل . وقيل : " إن الذين أورثوا الكتاب " قريش . " من بعدهم " من بعد اليهود النصارى . " لفي شك " من القرآن أو من محمد . وقال مجاهد : معنى " من بعدهم " من قبلهم ، يعني من قبل مشركي مكة ، وهم اليهود والنصارى .
{ وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب }
{ وما تفرَّقوا } أي أهل الأديان في الدين بأن وحد بعض وكفر بعض { إلا من بعد ما جاءهم العلم } بالتوحيد { بغياً } من الكافرين { بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك } بتأخير الجزاء { إلى أجل مسمى } يوم القيامة { لقضي بينهم } بتعذيب الكافرين في الدنيا { وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم } وهم اليهود والنصارى { لفي شك منه } من محمد صلى الله عليه وسلم { مريب } موقع في الريبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.