البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمَا تَفَرَّقُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى لَّقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيبٖ} (14)

{ وما تفرقوا } ، قال ابن عباس : يعني قرشياً ، والعلم : محمد عليه الصلاة والسلام ، وكانوا يتمنون أن يبعث إليهم نبي ، كما قال : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير } يريدون نبياً .

وقيل : الضمير يعود على أمم الأنبياء ، جاءهم العلم ، فطال عليهم الأمد ، فآمن قوم وكفر قوم .

وقال ابن عباس أيضاً : عائد على أهل الكتاب ، والمشركين دليله : { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة } قال المشركون : لم خص بالنبوة ، واليهود والنصارى حسدوه .

{ ولولا كلمة } : أي عدة التأخر إلى يوم القيامة ، فحينئذ يقع الجزاء ، { لقضي بينهم } : لجوزوا بأعمالهم في الدنيا ؛ لكنه قضى أن ذلك لا يكون إلا في الآخرة .

وقال الزجاج : الكلمة قوله : { بل الساعة موعدهم } { وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم } : هم بقية أهل الكتاب الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { من بعدهم } : أي من بعد أسلافهم ، أو هم المشركون ، أورثوا الكتاب من بعدما أورث أهل الكتاب التوراة والإنجيل .

وقرأ زيد بن علي : ورثوا مبنياً للمفعول مشدد الراء ، { لفي شك منه } : أي من كتابهم ، أو من القرآن ، أو مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، أو من الدين الذي وصى به نوحاً .

ولما تقدم شيئان : الأمر بإقامة الدين ، وتفرق الذين جاءهم العلم واختلافهم وكونهم في شك ، احتمل قوله .